ولقائل أن يقول: هذا التأويل باطل؛ لأنه كون المباح قسيما للواجب حينئذ ذاتيللفعل فيكون بينهما
منافاة ذاتيه، والمنافي الذاتي لا يمكن أن يصير مما يتوقف عليه وجود قسيمه ولا صفه من صفاته سوى
المنافاة.
وأجيب عن دليل الكعبي بوجهين:
الأول: أن فعل المباح غير متعين لأن يحصل به ترك الحرام، لحصوله بالواجب والمندوب - أيضا- فلم يكن المباح على التعيين واجبا.
وزيفه المصنف: بأن فيه تسليم أن الواجب أحد ما يحصل به ترك الحرام، فمافعله - يعنى المباح- يكون واجبا؛ لأنه أحد ما يخصل به ترك الحرام.
ولقائل أن يقول: ما يحصل به ترك الحرام أحدها غير معين، وهو الواجب، وكل واحد على التعيين معين، وهو غير الامعين فلا يكون واجبا.
والثاني: أن ما ذكره يستلزم أن تكون الصلاة حراما إذا ترك بها واجب، كمنأخر العشاء يوم عرفه
بحيث أنه لو اشتغل بها فات الوقوف بعرفه، فكان الواجب الذي هو الوقوف لا يتم الا بترك الصلاة
فيكون تركها واجبا، وما كان تركه واجباكان فعله حراما.
وزيفه المصنف: بأن الكعبي يلتزم كون الصلاة واجبا حراما بالجهتين كالصلاة في الدار المغصوبة، ثم قال المصنف: ولا مخلص - يعنى من شبهه الكعبي-إلا بأن يقال: ما لا يتم الواجب إلا به إن كان شرطا شرعيا، كالوضوء للصلاة فهو واجب، وإن كان شرطا عقليا، كنصب السلم للصعود، أو عاديا كطلب الرفيق في السفر فليس بواجب شرعا. فحينئذ تندفع شبهة الكعبي، لكون ترك الأضداد من الشروط الواجبة عقلا فلا يلزم من وجوب الشيء شرعا وجوب ترك أضداده.