للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدٌ مِمَّنْ وَصَفْنَا رَفَعَ ذَلِكَ إلَى رَجُلٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانُوا تَحْتَهُ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ خَلِيفَةٌ، حِينَ قَاضَى رَجُلًا إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأُبَيٌّ غَيْرُ ذِي سُلْطَانٍ، قَالُوا: فَإِنْ أَبَى الْمَطْلُوبُ أَنْ يُرَافِعَهُ عِنْدَ مَنْ ذَكَرْنَا، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ غَيْرُ ذَلِكَ الْقَاضِي وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى التَّرَاضِي بِرَجُلٍ يَتَحَاكَمَانِ إلَيْهِ، ثُمَّ يَضَعَ شَهَادَتَهُ عِنْدَهُ فَيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا ظَهَرَ لَهُ.

فَرْعٌ: وَأَمَّا مُبْتَدَآتُ مَا يَحْكُمُ بِهِ وَيَقْضِي بِهِ فِي مَجْلِسِهِ، فَذَلِكَ مِمَّا جُعِلَ إلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِمَا سَمِعَهُ فِي مَقْعَدِهِ ذَلِكَ، وَلَا يَدْعُو فِيهِ بِبَيِّنَةٍ وَلَا مَا يُثْبِتُ فِيهِ وَثِيقَةً قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ، وَلَا يَرُدُّهُ عَنْ ذَلِكَ جَحْدُهُ إنْ قَالَ شَيْئًا، ثُمَّ ذَهَبَ يَتَفَقَّهُ وَيَنْتَظِرُ أَنْ يُقَرِّرَهُ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَمْ أَقُلْهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَهَذَا مِمَّا جُعِلَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ بِغَيْرِ وَثِيقَةٍ مَحْمُولَةٍ وَلَا أَمْرٍ كَانَ قَبْلَ مَقْعَدِهِ، قَالَ فَضْلٌ بِهَذَا.

قَالَ سَحْنُونٌ وَأَبَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يَحْكُمُ وَعَلَيْهِ قُضَاةُ الْمَدِينَةِ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا قَالَ غَيْرَهُ، وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَسَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ.

وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي مَسْأَلَةِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصَحُّ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَلَوْ أَدْرَكَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ زَمَانَنَا لَرَجَعَا عَمَّا قَالَاهُ، وَلَوْ أُخِذَ بِقَوْلِهِمَا لَذَهَبَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ وَحُكِمَ عَلَيْهِمْ بِمَا لَمْ يُقِرُّوا بِهِ.

فَرْعٌ: ثُمَّ إذَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ يَنْقُضُهُ هُوَ كَمَا يَنْقُضُهُ غَيْرُهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: وَأَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ فِي مَجْلِسِ الْحُكُومَةِ فَحَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَلَا يُنْقَضُ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ.

فَرْعٌ: وَهَلْ يَحْتَاجُ الْحَاكِمُ إلَى إعْذَارٍ إلَى الْخَصْمَيْنِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ عِنْدَهُ مِنْ إقْرَارِ هَذَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَفِي مَجْلِسِهِ أَمْ لَا؟ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا انْعَقَدَ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ مَقَالٌ وَشَهِدَ بِهِ شُهُودُ الْمَجْلِسِ عِنْدَهُ أَنْفَذَ ذَلِكَ عَلَى قَائِلِهِ، وَلَمْ يُعْذَرْ إلَيْهِ فِيمَنْ شَهِدَ بِهِ لِكَوْنِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَطَعَهُ بِحَقِيقَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>