للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَاعِدَةٌ: كُلُّ مَنْ لَهُ عُرْفٌ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى عُرْفِهِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ» يُحْمَلُ عَلَى الْحَلِفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ جَعَلَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ، فَلَا يُحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِمَا.

فَرْعٌ: إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ يَحْنَثُ، قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مَشْهُورُ فَتَاوَى الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّهُ يَلْزَمُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَعِتْقُ رَقَبَةٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَإِنْ كَثُرُوا، وَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَطَلَاقُ امْرَأَتِهِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً؟ وَالتَّصَدُّقُ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَلَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَلَا الْمَشْيُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَلَا بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا الرِّبَاطُ فِي الثُّغُورِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَلَا تَرْبِيَةُ الْيَتَامَى وَلَا كِسْوَةُ الْعَرَايَا وَلَا إطْعَامُ الْجِيَاعِ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرُبَاتِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَاحَظُوا مَا غَلَبَ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا يُجْعَلُ عَبَثًا فِي الْعَادَةِ فَأَلْزَمُوهُ إيَّاهُ، لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى الْعُرْفِيُّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ، وَيَخْتَصُّ حَلِفُهُ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ دُونَ غَيْرِهَا، لِأَنَّهَا الْمَشْهُورَةُ، وَلَفْظُ الْحَلِفِ وَالْأَيْمَانِ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ الْمُدْرَكُ أَنَّ عَادَاتِهِمْ يَفْعَلُونَ مُسَمَّيَاتِهَا، وَأَنَّهُمْ يَصُومُونَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يَحُجُّونَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ، بَلْ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي دُونَ غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ صَرَّحُوا فَقَالُوا: مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْحَلِفِ بِصَوْمِ سَنَةٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَنَةٍ، كَجَعْلِ الْمُدْرِكِ الْحَلِفَ اللَّفْظِيَّ دُونَ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ فَهَذَا مُدْرِكٌ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّحْرِيرِ وَالتَّحْقِيقِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اتَّفَقَ فِي وَقْتٍ آخَرَ اشْتِهَارُ حَلِفِهِمْ وَنَذْرِهِمْ بِالِاعْتِكَافِ وَالرِّبَاطِ، وَإِطْعَامِ الْجِيعَانِ وَكِسْوَةِ الْعُرْيَانِ، وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ دُونَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، إنْ كَانَ اللَّازِمُ بِهَذَا الْحَالِفِ إذَا حَنِثَ الِاعْتِكَافَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ دُونَ تِلْكَ الْحَقَائِقِ الْأُوَلِ، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى الْعَوَائِدِ تَدُورُ مَعَهَا كَيْفَمَا دَارَتْ، وَتَبْطُلُ مَعَهَا إذَا بَطَلَتْ كَالنُّقُودِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُيُوبِ فِي الْعُرُوضِ الْمَبِيعَاتِ، فَلَوْ تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فِي النَّقْدَيْنِ وَالسِّكَّةِ إلَى سِكَّةٍ أُخْرَى، لَحُمِلَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى السِّكَّةِ الَّتِي تَجَدَّدَتْ الْعَادَةُ بِهَا دُونَ مَا قَبْلَهَا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّيْءُ عَيْنًا فِي الثِّيَابِ فِي الْعَادَةِ رَدَدْنَا بِهِ الْبَيْعَ، فَإِذَا تَغَيَّرَتْ تِلْكَ الْعَادَةُ وَصَارَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ مَحْبُوبًا لَمْ يُرَدَّ بِهِ، وَبِهَذَا الْقَانُونِ تُعْتَبَرُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْعَوَائِدِ، وَهُوَ تَحْقِيقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>