دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، لَمْ يُصَدَّقْ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِقَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي إنْكَارِ دَعْوَاهُ، وَلَوْ أَنَّ قَائِلًا قَالَ: لَا يُصَدَّقُ فِي مِثْلِ هَذَا إلَّا أَهْلُ الْفَضْلِ الْمَشْهُورِ وَالْوَرِعِ الْمَعْرُوفِ، إذَا ادَّعَوْا عَلَى مَنْ تَأْخُذُهُ الظِّنَّةُ وَتَقْرُبُ مِنْهُ التُّهْمَةُ لَكَانَ حَسَنًا مِنْ الْقَوْلِ، وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ فِي قَبُولِ أَنَّ فَاعِلَ هَذَا إنَّمَا يَطْلُبُ مَوَاضِعَ الْخَلَوَاتِ وَأَوْقَاتِ الْغَفَلَاتِ؛ لِئَلَّا يُرَى، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ عِنْدَ الْمَوْتِ إلَّا حَقًّا، وَخَالَفَ مَالِكًا فِي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الَّتِي ادَّعَتْ أَنَّ رَجُلًا صَالِحًا اسْتَكْرَهَهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي تِلْكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَأَوْجَبَ حَدَّهَا، وَيَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَخَذَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِاللَّوْثِ فِي الدِّمَاءِ مَا وَقَعَ لِلشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ اللُّؤْلُؤِيِّ فِي التَّدْمِيَةِ وَرُجُوعِهِ عَنْ الْفَتْوَى بِهَا.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: مَنْ أُخِذَ فِي تُهْمَةِ قَتْلٍ فَاعْتَرَفَ عِنْدَ السُّلْطَانِ بِغَيْرِ ضَرْبٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ الْمَقْتُولَ مِنْ بِئْرٍ أَوْ مَدْفِنٍ، فَلَمَّا أَمَرَ بِهِ لِيُقْتَلَ قَالَ: مَا قَتَلْته، وَلَكِنِّي رَأَيْت مَنْ قَتَلَهُ قُتِلَ وَلَا يَنْفَعُهُ إنْكَارُهُ، وَكَذَلِكَ السَّارِقُ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِقْرَارِ قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ، فَلَا يَنْفَعُهُ رُجُوعُهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْقَتْلِ كَالْمَالِ يَقْرَبُهُ ثُمَّ يُنْكِرُ.
فَرْعٌ: وَمَنْ اُتُّهِمَ بِقَتْلِ نَفْسٍ فَأُخِذَ فَاعْتَرَفَ بِلَا مِحْنَةٍ، ثُمَّ سُجِنَ ثُمَّ أُخْرِجَ لِلْقَتْلِ فَقَالَ: إنَّمَا اعْتَرَفْت خَوْفًا مِنْ الضَّرْبِ وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ أَقْتُلَهُ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ مَعْرُوفٍ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَدْ لَزِمَ كَلُزُومِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ، لِأَنَّ الدَّمَ حَقُّ الْآدَمِيِّ كَالدَّيْنِ.
تَنْبِيهٌ: وَلَوْ عُفِيَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سِجْنُ سَنَةٍ وَجَلْدُ مِائَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مِنْ الطُّرَرِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي رَجُلَيْنِ شَهِدَا أَنَّهُ حَضَرَ بِهِمَا ثَلَاثَةُ رِجَالٍ يَحْمِلُونَ خَشَبَةً وَمَعَهُمْ صَبِيٌّ وَهُوَ ابْنٌ لِأَحَدِهِمْ، فَلَمَّا غَابُوا عَنْهُمَا سَمِعَا وَقْعَ الْخَشَبَةِ فِي الْأَرْضِ وَبُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَاتَّبَعَاهُمْ فَوَجَدَا الْخَشَبَةَ فِي الْأَرْضِ وَالصَّبِيَّ فِي حِجْرِ أَبِيهِ فِي اللَّوْثِ وَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ، أَنَّهَا شَهَادَةٌ قَاطِعَةٌ تَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالْمُعَايَنَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute