فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمِثْلُهَا أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُمَا رَأَيَا رَجُلًا خَرَجَ مُسْتَسِرًّا مِنْ دَارٍ فِي حَالٍ رَثَّةٍ فَاسْتَنْكَرَا ذَلِكَ، فَدَخَلَ الْعُدُولُ مِنْ سَاعَتِهِمْ الدَّارَ، فَوَجَدُوا قَتِيلًا يَسِيلُ دَمُهُ وَلَا أَحَدَ فِي الدَّارِ غَيْرُهُ وَغَيْرُ الْخَارِجِ، فَهَذِهِ شَهَادَةٌ جَائِزَةٌ يُقْطَعُ الْحُكْمُ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَ الْمُعَايَنَةِ.
فَرْعٌ: وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ رَأَى الْعُدُولُ الْمُتَّهَمَ يُجَرِّدُ الْمَقْتُولَ وَيُعَرِّيهِ، وَإِنْ لَمْ يَرَوْهُ حِينَ أَصَابَهُ، فَإِنَّ هَذَا لَوْثٌ تَجِبُ مَعَهُ الْقَسَامَةُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَإِنَّهَا شَهَادَةٌ تَامَّةٌ صَدَرَتْ مِنْ حَاكِمٍ إلَى الْفُقَهَاءِ يَسْتَشِيرُهُمْ فِيمَا يَأْخُذُ بِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ يَزْعُمُ أَنَّ فُلَانًا تَوَلَّى ضَرْبَهُ وَعَفْجَ بَطْنِهِ، حَتَّى صَارَ بِذَلِكَ فِي مَوْقِفِ الْمَوْتِ، أَوْ يَأْتِي وَلِيُّهُ عَنْهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَيَدْعُو إلَى السَّمَاعِ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَيَطْلُبُ الْقِيَامَ بِذَلِكَ حُبِسَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَدْ يَأْتِيهِ رَجُلٌ آخَرُ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ وَبِهِ جِرَاحَاتٌ غَلِيظَةٌ مَخُوفَةٍ، وَقَدْ يَأْتِيهِ رَجُلٌ آخَرُ عَلَيْهِ جُرْحٌ سَهْلٌ قَدْ أَسَالَ دَمَهُ فَأَجَابُوهُ: بِأَنَّ الَّذِي تَقُولُ بِهِ: إنَّ الزَّمَانَ فَسَدَ وَإِنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ إنَّمَا يُسْرِعُ إلَيْهَا مَنْ لَا خَشْيَةَ تَمْنَعُهُ مِنْ رُكُوبِ الْبَاطِلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَسْلُكَ حَالَةً يَكُونُ فِيهَا خَلَاصٌ لَك إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَدَاءٌ لِلْحَقِّ إلَى ذَوِي الْحُقُوقِ.
فَمَنْ جَاءَك وَعَلَيْهِ جِرَاحٌ مَخُوفَةٌ، فَاحْبِسْ الْمُدْمَى عَلَيْهِ حَتَّى تَصِحَّ الْجُرُوحُ أَوْ يَتَبَيَّنَ حَالَةٌ يَجِبُ بِهَا إطْلَاقُهُ.
وَمَنْ جَاءَك مُعَافًى مِنْ الْجِرَاحِ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ ضَرْبًا مُؤْلِمًا قَدْ بَلَغَ مِنْهُ مَبْلَغَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ سَبَبٍ ظَاهِرٍ، فَأَلْزِمْ الْقِيَامَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ، فَإِنْ أَثْبَتَ تَعَدِّيَ الْمُدَّعِي مَعَهُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَدْفَعٌ فِي الْبَيِّنَةِ فَعَزِّرْهُ، وَإِنْ رَأَيْت حَبْسَهُ فَذَلِكَ إلَيْك عَلَى مَا يَظْهَرُ لَك مِنْ شَنَاعَةِ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ.
وَمَنْ جَاءَك بِجُرْحٍ خَفِيفٍ وَهُوَ مِمَّنْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَفْعَلُ هَذَا بِنَفْسِهِ فَاسْلُكْ بِهِ سَبِيلَ مَنْ جَاءَك مُعَافًى مِنْ الْجِرَاحِ، فَإِذَا نَظَرْت بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ كَانَ نَظَرًا يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَهْلَ الشَّرِّ وَيَدْرَأُ بِهِ الْبَطْشَ وَيَنْفَعُ بِهِ الْعَامَّةَ وَيَذُبُّ بِهِ عَنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ وَابْنُ غَالِبٍ وَابْنُ وَلِيدٍ وَابْنُ مُعَاذٍ.
وَقَالَ بِهِ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، إلَّا فِي الْمُدَّعِي الضَّرْبَ الْمُؤْلِمَ غَيْرَ الظَّاهِرِ أَوْ الْجُرْحَ الْخَفِيفَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute