فِي اللَّوْثِ بِأَنَّهُ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى هَذَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّلَ مِنْ الشُّهُودِ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ لَا يُرْجَى فِيهِمْ تَعْدِيلٌ رَأَيْنَا اسْتِحْسَانًا أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا رَمَى هَذِهِ الرَّمْيَةَ وَلَا كَانَ مَا قَالَهُ الشُّهُودُ، قَالَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ غَانِمٍ.
وَمِنْ تَمَامِ جَوَابِ مُحَمَّدِ بْنِ غَانِمٍ وَإِنْ أَخَذْت فِي اللَّوْثِ بِاللَّفِيفِ وَقَامَ بِذَلِكَ ثَابِتُ النَّسَبِ، أَقْسَمَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّوْثَ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ.
وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ إذَا ثَبَتَ لَهَا وَلِيٌّ كَانَ الْقَوْلُ مَا قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ غَانِمٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا وَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ، لِأَنَّهُ لَا تَكُونُ قَسَامَةٌ لِمَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ غَالِبٍ مِنْ الِاسْتِظْهَارِ بِالْيَمِينِ، إنْ كَانَ أَرَادَ يَمِينًا وَاحِدَةً فَمُشْكِلٌ، لِأَنَّ الدِّمَاءَ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا وَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَسَامَةٌ، فَإِذَا سَقَطَتْ الْقَسَامَةُ سَقَطَ رَدُّهَا مِمَّنْ طُلِبَ بِهَا.
وَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ: أَصْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي اللَّوْثِ أَنَّهُ اللَّفِيفُ وَالْبَيِّنَةُ غَيْرُ الْعَادِلَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ قَوْلِهِ بِالشَّاهِدِ الْعَدْلِ، فَإِنْ ثَبَتَ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَلِيٌّ كَانَ هُوَ الْمُحَلِّفُ لِهَذَا الْمُدْمِي، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا وَلِيٌّ، فَالْمُسْلِمُونَ أَوْلِيَاؤُهَا وَوَارِثُوهَا، كَمَا يَرِثُونَ مَالَهَا يَرِثُونَ دَمَهَا، وَلَا بُدَّ لِهَذَا الْمَحْبُوسِ مِنْ أَنْ يَحْلِفَ خَمْسِينَ مَا رَمَاهَا عَمْدًا، ثُمَّ تَكُونُ دِيَتُهَا عَلَى عَاقِلَتِهَا، فَإِنْ أَبَى عَنْ الْيَمِينِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَلَا يَبْطُلُ دَمُ مُسْلِمٍ.
وَقَدْ رَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: فِي الْمُسْلِمِ يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ عَمْدًا وَلَا وَلِيَّ لَهُ إلَّا الْمُسْلِمُونَ، أَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الْقَتْلِ؟ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُهْدِرَ دَمَ مُسْلِمٍ وَلَكِنْ يَسْتَقِيدُ لَهُ، فَكَمَا يَسْتَقِيدُ لِمَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ إلَّا الْمُسْلِمُونَ، فَكَذَلِكَ يُسْتَحْلَفُ هَذَا الْمَحْبُوسُ.
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَخَذْت بِهِ فِي اللَّوْثِ، رَجَوْت أَنْ يَكُونَ مُوَفَّقًا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَمَّا الْيَمِينُ يُرِيدُ الَّتِي قَالَ ابْنُ غَالِبٍ اسْتِحْسَانًا، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا وَلِيٌّ وَأَخَذْت بِقَوْلِ مَنْ رَأَى اللَّوْثَ الشَّاهِدِ الْعَدْلِ فَمَا أَرَى عَلَيْهِ يَمِينًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute