وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ أَنَّ فُلَانًا قَالَهُ فَالْحَدُّ عَلَى الَّذِي خَاطَبَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُخْبِرًا وَإِنْ جَاءَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَقُولُ لَك: يَا زَانٍ، أَوْ جَاءَ بِذَلِكَ مَعَهُ فِي كِتَابٍ وَأَقَرَّ أَنَّهُ يَعْرِفُ مَا فِيهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، لِأَنَّهُ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ فُلَانًا أَرْسَلَهُ فَقَدْ قَالَهُ هُوَ أَيْضًا.
مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ اسْتَبَّ رَجُلَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: يَا أَحْمَقُ فَقَالَ الْآخَرُ أَحْمَقُنَا هُوَ ابْنُ الْفَاعِلَةِ، قَالَ أَصْبَغُ: أَرَاهُ قَذْفًا مِنْ الْقَائِلِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِلشَّتْمِ، وَاسْتِتَارٌ عَنْ الْقَذْفِ بِذِكْرِ الْحُمْقِ، كَانَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ أَحْمَقَ أَوْ حَلِيمًا، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ أَحَبُّ مَا فِيهِ إلَيَّ وَفِيهِ مِنْ الْخِلَافِ غَيْرُ هَذَا.
مَسْأَلَةٌ: وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ: مَنْ شَهِدَ عَلَيَّ فَهُوَ ابْنُ الْفَاعِلَةِ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَعَلَى قَائِلِ ذَلِكَ الْحَدُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ ابْنُ الْفَاعِلَةِ، كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؟ وَلَوْ قَالَ: مَنْ رَمَانِي فَهُوَ ابْنُ الْفَاعِلَةِ فَرَمَاهُ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعَمُّدٌ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَصْبَغُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: حَضَرْت مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: إنْ كُنْت مِنْ الْعَرَبِ فَأَنْت ابْنُ الْفَاعِلَةِ، فَطَلَبَ الْمَقْذُوفُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مِنْ الْعَرَبِ فَلَمْ يَجِدْهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُضْرَبَ قَائِلُ ذَلِكَ سَبْعِينَ جَلْدَةً.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَرَى السَّبْعِينَ كَثِيرًا وَلَكِنَّ الْخَمْسِينَ أَوْ الْأَرْبَعِينَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَكَذَا، أَوْ إنْ كَانَ كَذَا فَأَنْت ابْنُ الْفَاعِلَةِ، فَإِنَّهُ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ الَّذِي قَالَهُ إنَّهُ كَذَلِكَ ضُرِبَ الْحَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ضُرِبَ نَحْوَ الَّذِي ذَكَرْنَا.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: سَمِعْت أَصْبَغَ يَقُولُ: حَضَرْت ابْنَ الْقَاسِمِ وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنَّ رَجُلًا قَالَ لِي لَسْت مِنْ الْعَرَبِ، فَقُلْت لَهُ: مَنْ قَالَ لِي: إنِّي لَسْت مِنْ الْعَرَبِ فَهُوَ ابْنُ الْفَاعِلَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَقَمْت الْبَيِّنَةَ أَنَّك مِنْ الْعَرَبِ، ضُرِبَ هُوَ الْحَدَّ لِنَفْيِهِ إيَّاكَ مِنْ الْعَرَبِ، وَضُرِبْت أَنْتَ أَيْضًا لَهُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّك قَذَفْته، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنِّي لَمْ أُرِدْهُ، إنَّمَا أَرَدْت النَّاسَ كَأَنَّهُ إنَّمَا جَاوَبْته، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّمَا جَاوَبْته وَتَقُولُ: لَمْ أُرِدْهُ، لَيْسَ يُنْجِيك ذَلِكَ مِنْ الْحَدِّ وَلَكِنْ صَالِحْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute