للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْقَرَافِيُّ الْحُدُودُ وَاجِبَةُ الْإِقَامَةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعْزِيرِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ كَالْحُدُودِ، إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّ غَيْرَ الضَّرْبِ مَصْلَحَةٌ مِنْ الْمَلَامَةِ وَالْكَلَامِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ إنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ.

مَسْأَلَةٌ وَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْ التَّعْزِيرِ وَالشَّفَاعَةِ فِيهِ إذَا كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ، فَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ حَقِّ آدَمِيٍّ وَانْفَرَدَ بِهِ حَقُّ السَّلْطَنَةِ، كَانَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مُرَاعَاةُ حُكْمِ الْأَصْلَحِ بِالْعَفْوِ أَوْ التَّعْزِيرِ وَلَهُ التَّشْفِيعُ فِيهِ، رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «اشْفَعُوا إلَيَّ وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا يَشَاءُ» .

فَرْعٌ: فَلَوْ تَعَافَى الْخَصْمَانِ عَنْ الذَّنْبِ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ سَقَطَ حَقُّ الْآدَمِيِّ.

وَفِي حَقِّ السَّلْطَنَةِ وَالتَّقْوِيمِ وَالْأَدَبِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ السُّقُوطِ، فَلَهُ مُرَاعَاةُ الْأَصْلَحِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَالْأَصْلَحُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ التَّعْزِيرُ بِإِسْقَاطِ مَا وَجَبَ بِسَبَبِهِ وَلَوْ نُصَّ عَلَى الْعَفْوِ وَالْإِسْقَاطِ، وَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطٍ ضِمْنًا كَمَا إذَا عَفَا مُسْتَحِقُّ الْعَمْدِ عَنْ الْحَدِّ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ، إذْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ التَّعْزِيرُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِانْدِرَاجِهِ فِي الْحَدِّ السَّاقِطِ وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ، إذْ وُجُوبُ التَّعْزِيرِ الْمُقْتَرِنِ بِالْحَدِّ بِمُجَرَّدِ حَقِّ السَّلْطَنَةِ، فَلَا يَنْبَغِي سُقُوطُهُ بِإِسْقَاطِ الْحَدِّ مِنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ.

فَرْعٌ: فَلَوْ كَانَ الْخَصْمَانِ الْمُتَوَاهِبَانِ وَالِدًا وَوَلَدًا، فَلَا حَقَّ لِلْوَلَدِ فِي تَعْزِيرِ وَالِدِهِ، نَعَمْ يَخْتَصُّ تَعْزِيرُهُ فَلَوْ بِحَقِّ السَّلْطَنَةِ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ فِعْلُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَتَعْزِيرُ الْوَلَدِ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ حَقِّ الْوَالِدِ وَالسَّلْطَنَةِ.

مَسْأَلَةٌ: قَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَجُوزُ ضَرْبُ الْمُتَعَزِّرِ بِالْعَصَا وَالسَّوْطِ الْمَكْسُورِ وَالثَّمَرَةِ، لَا غَيْرَ مَكْسُورِهَا خِلَافًا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ الشَّافِعِيِّ، وَنَقَلَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ ثَمَرَ السِّيَاطِ عَقْدُ أَطْرَافِهَا.

وَفِي حَوَاشِي التَّهْذِيبِ لِأَبِي الْحَسَنِ الطَّنْجِيِّ أَنَّ التَّعْزِيرَ إنَّمَا يَكُونُ بِالسَّوْطِ.

مَسْأَلَةٌ: وَيَجُوزُ صَلْبُ الْمُعَزَّرِ حَيًّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ، «فَقَدْ صَلَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو نَابٍ» ،

<<  <  ج: ص:  >  >>