للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا سَأَلَ الْغَرِيمُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ الْحَاكِمُ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ، يُعْطِي حَمِيلًا بِالْمَالِ أُخِّرَ وَالْقُضَاةُ الْيَوْمَ يُؤَخِّرُونَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ حَسْبَمَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِ الْغَرِيمِ مِنْ لَدَدٍ وَغَيْرِهِ.

وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ مَنْ وَجَبَ لَهُ دَيْنٌ فَسَأَلَ أَنْ يُؤَخَّرَ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ، قَالَ: يُؤَخَّرُ وَيُعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِالْمَالِ حَمِيلًا وَلَا وَجَدَ الْمَالَ سُجِنَ.

وَوَقَعَ فُتْيَا بَعْضِ الشُّيُوخِ فِيمَنْ سَأَلَ التَّأْخِيرَ بِحَمِيلِ الْمَالِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْقَاضِي تَأْخِيرٌ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِالْأَدَاءِ، فَإِنْ أَبَى الطَّالِبُ أَنْ يُؤَخِّرَ فَالْحَبْسُ، وَلَكِنَّ الْغَرِيمَ يَسْأَلُ ذَلِكَ مِنْ الطَّالِبِ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ بِنَظَرِ الْقَاضِي وَأَمْرِهِ، فَلَا إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَحُضُّ بِالرِّفْقِ عَلَى الْغَرِيمِ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِ.

وَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ سَهْلٍ وَقَالَ: هَذَا خِلَافٌ لِنُصُوصِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُسْتَشْفِعِ: يُرِيدُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ وَلَا يَحْضُرُهُ النَّقْدُ أَنَّهُ يُؤَخِّرُهُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبِذَلِكَ أَخَذَ مَالِكٌ وَرَآهُ حَسَنًا مِنْ عَمَلِ الْقُضَاةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُؤَخَّرُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، قَالَ أَصْبَغُ: الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَالْعِشْرِينَ بِالِاجْتِهَادِ.

وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا: فِي الْمُكَاتَبِ إنْ جَاءَ بِالْكِتَابَةِ إلَى الْأَجَلِ وَإِلَّا أُخِّرَ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ، كَمَا يُؤَخَّرُ الْغَرِيمُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ كُلُّ مَطْلُوبٍ بِحَقٍّ يُؤَخَّرُ قَدْرَ مَا يَرَى حِينَ يَتْرُكَ ذَلِكَ يُؤَخَّرُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَخَمْسَةٍ، وَذَلِكَ مُخْتَلِفٌ فِي كَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ وَهُوَ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِيمَنْ نَزَلَ ذَلِكَ بِهِ، فَهَذِهِ نُصُوصٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي تَأْخِيرِ الْغَرِيمِ مِمَّا يُطْلَبُ بِهِ، وَقَدْ جَعَلُوا إلَى الْقَاضِي التَّأْخِيرَ بِالِاجْتِهَادِ فِيهِ، وَبِالتَّأْخِيرِ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ إذَا أَعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ جَرَى الْعَمَلُ وَالْفُتْيَا وَوَقَعَ سَمَاعُ عِيسَى فِي الْحَمِيلِ بِالْمَالِ، إذَا حَلَّ أَجَلُهُ لَا يُؤَخَّرُ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ كَالْغَرِيمِ، وَهُوَ كَلَامٌ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ، وَاَلَّذِي قَدَّمْنَاهُ هُوَ الْبَيِّنُ، اُنْظُرْ ابْنَ سَهْلٍ فِي بَابِ الْمِدْيَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>