للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}: هذا نهيٌ من الله لأحبار اليهود أن يؤثروا الدنيا على الآخرة، فيستبدلوا بآيات الله التي عندهم ثمنًا؛ أي: عرضًا من الدنيا قليلًا يُعطَونه ليُحرِّفوا أو يكتموا آياتِ الله التي فيها الخبرُ عن الرسول صلى الله عليه وسلم وَصِفَتُه، ثم أكَّد الأمرَ بالخوف منه فقال: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)}.

وقوله: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)}: هذه الجملةُ إعرابُها كالتي قبلها {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠)}، وهذا أمرٌ من الله لأَحبار اليهود أن يتَّقوه فلا يشتروا بآيات الله ثمنًا قليلًا، والتقوى: هي امتثالُ الأوامر والنواهي خوفًا من الله تعالى، ولهذا قال المؤلِّف: - تفسيرًا لقوله تعالى: {فَاتَّقُونِ} -: (خَافُونِ فِي ذَلِكَ دون غيري).

وقوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢)}: اللَّبس: خلطُ الشيء بالشيء حتى لا يتميَّزْ أحدُهما من الآخر (١)، والآية نهيٌ لليهود عن خلط الحقِّ المنزَّل عليهم بالباطل الذي افتروه من تشريعاتٍ وتحريفاتٍ، ولذا قال المؤلِّف في تفسير كلمات الآية: في معنى {تَلْبِسُوا}: تخلطوا، {الْحَقَّ}: الذي أنزلتُ عليكم، {بِالْبَاطِلِ}: الذي تفترونه.

وقوله تعالى: {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢)}: الواو: قيل عاطفة؛ فالتقدير: ولا تكتموا الحقَّ؛ فتفيد الآية النهيَ عن كلٍّ من الأمرين على انفراد: اللبس والكتمان، {وَتَكْتُمُوا} مجزومٌ بلا الناهية، وقيل: الواو واو المعيَّة، والفعلُ منصوبٌ بأنْ بعدها، فتفيدُ الآية على هذا الإعراب: النهيَ عن الجمع بين الأمرين - اللبس والكتمان -، وهذا اختلافٌ في الإعراب ودلالةِ الكلام (٢)، وأمَّا الحكمُ فمعلومٌ أنَّ كلًّا من اللبس والكتمان حرامٌ مجتمعَين أو منفردَين،


(١) ينظر: «المفردات» للراغب (ص ٧٧٥)، و «التبيان في تفسير غريب القرآن» لابن الهائم (ص ٧١).
(٢) الوجه الأول هو قول ابن عباس، والوجه الثاني هو قول أبي العالية ومجاهد. ينظر: «معاني القرآن» للفراء (١/ ٣٣)، و «تفسير الطبري» (١/ ٦٠٧ - ٦٠٩).

<<  <   >  >>