للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجمعُ بينهما أقبحُ، والحقُّ الذي نُهوا عن كتمانه: ما عندهم من الخبر عن بعثة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصفتِه، وما يجب عليهم من الإيمان به واتِّباعه (١).

وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)}: هذا أمرٌ من الله لأهل الكتاب بالدخول في الإسلام، وإقامةِ الصلاة المكتوبة، وإيتاءِ الزكاة المفروضة في شريعة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، والركوعِ مع الراكعين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا كأمرِ المشركين بالعبادة والصلاة إيمانًا بالله ورسوله، وعملًا بشريعته؛ قال تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)} [النجم: ٦٢]، وقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (٤٨)} [المرسلات: ٤٨].

وما أُمِر به أهلُ الكتاب في هذه الآية من إقام الصلاة وإيتاءِ الزكاة مُتابعةً للرسول صلى الله عليه وسلم هو نظيرُ ما أُخذ عليهم من الميثاق أن يقيموا الصلاةَ ويؤتوا الزكاةَ المفروضة عليهم في شريعتهم، وذلك في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ .. } إلى قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣)}.

ثم وبَّخَ اللهُ بني إسرائيل - وهم: اليهود - على أَمْرهم الناسَ بالبرِّ - وهو: العمل الصالح - وترك المعاصي، وتركهم أنفسَهم فلا يفعلون ما أَمروا به غيرَهم، ولا يتركون ما نُهوا عنه، وهذا معنى: {وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}، يفعلون ذلك على عِلم، ولذا قال سبحانه: {وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ} أي: التوراة، ومعلومٌ أنَّ أَمْرَ الإنسانِ غيرَه بما ينفعه، وتركَه نفسَه جهلٌ وسَفَهٌ، ولذا قال تعالى منكرًا على الذين سلكوا هذا المسلك: {فَلَا تَعْقِلُونَ (٤٤)}، فَعُلم من هذه الآية أنَّ مَنْ يأمرُ بالمعروف وينهى عن المنكر رياءً، وهو في نفسه في السرِّ يُخالفُ ما يُظهره مذمومٌ ومُستحقٌّ للوعيد المذكور في حديث أسامة في الصحيحين في شأن الرجل الذي يُلقى في النار فتندلقُ أقتابه … الحديث (٢).


(١) وهو قول ابن عباس ومجاهد والسدي وجماعة. ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٦٠٩ - ٦١١)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (١/ ٩٨ - ٩٩).
(٢) رواه البخاري (٣٢٦٧)، ومسلم (٢٩٨٩).

<<  <   >  >>