للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمَّا مَنْ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر صادقًا ولكنه مُقصِّرٌ في نفسه؛ فهو مأجورٌ على قيامه بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى جهاده لنفسه، وليس هو من أهل هذه الآية، ولا حديثِ أسامة، ويغلطُ بعض الناس في فهم هذه الآية فيظنُّ أنَّ مَنْ كان مقصرًا في طاعة الله ورسوله لا يجوز له أن يأمرَ غيرَه وينهاه، وهذا يُحقِّقُ للشيطان غرضًا؛ وهو تركُ أكثر الناس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنَّ التقصير فيما يجب من طاعة الله وترك معصيته هو الغالبُ على الناس؛ فالواجبُ على المسلم أن يجاهدَ نفسَه ليقومَ بما يجب عليه، ويجاهدَ غيرَه بالأمر والنهي، فكلٌّ من الجهادين واجبٌ لا يُترَكُ أحدُهما للتقصير في الآخر (١).

ثم أمرَ اللهُ بالصبر والصلاة فقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}، والمخاطَبُ بهذا هم بنو إسرائيل على ما اختاره ابنُ جرير (٢)، وذهب ابنُ كثير إلى أنه أمرٌ عام لم يُقصَد به أهلُ الكتاب خاصَّةً (٣)، وكلٌّ من القولين له وجهٌ، فقول ابن جرير هو المناسبُ لسياق الكلام؛ لأنَّ قوله: {وَاسْتَعِينُوا} معطوف على ما تقدَّم من الأوامر والنواهي من قوله: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}. وما قاله ابنُ كثير هو: ما يقتضيه المعنى؛ فقوله: {وَاسْتَعِينُوا} عامٌّ من حيث المعنى، خاصٌّ من حيث اللفظ، وهكذا القول في كلِّ الأوامر والنواهي المتقدِّمة؛ الأصلُ أنها خطابٌ لبني إسرائيل، ولكنَّ حُكمَها ومعناها عامٌّ، فنحن أمَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُكلَّفون بما في هذه الآيات من الأوامر والنواهي، فعلينا امتثالها طاعةً لله وعملًا بوصاياه (٤).

وقوله: {وَاسْتَعِينُوا}: أمرٌ من الله بالاستعانة على كلِّ الأمور المهمة بالصبر والصلاة، وهي الصلواتُ الخمسُ، أو الصلاةُ مُطلقًا فتشملُ نوافلَ


(١) ينظر: «لطائف المعارف» (ص ٥٧ - ٥٩)، و «غذاء الألباب» (١/ ٢١٥ - ٢١٩).
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٦٢٣).
(٣) ينظر: «تفسير ابن كثير» (١/ ٢٥٣).
(٤) ينظر: «أسباب النزول» (ص ٢٤)، و «التفسير البسيط» كلاهما للواحدي (٢/ ٤٥٧).

<<  <   >  >>