وقوله:{قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}: إظهارٌ لقبولهم الأمرَ بذبح البقرة، وقد صَدَقوا وكَذَبوا؛ فصَدَقوا بقولهم لنبي الله موسى:{جِئْتَ بِالْحَقِّ}، وكَذَبوا في تقييد ذلك؛ بقولهم:{الْآنَ}؛ يعنون ما أُجيبوا به في سؤالهم الثالث، وقد جاء نبيُّ الله موسى بالحقِّ في كلِّ ما أخبرهم به عن ربه.
وقوله:{فَذَبَحُوهَا}: إخبارٌ من الله بأنهم بعدما أذعنوا بالقول امتثلوا بالفعل بأنْ ذبحوا البقرةَ التي انطبقت عليها تلك الصفاتُ المذكورةُ في الآيات.
وقوله: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)}: أي قبل ذبحِها لم يمكن منهم قربٌ من فعل ما أُمروا به مما يدلُّ على شدَّة إعراضِهم عن الطاعة، ولكنهم لَمَّا قامت عليهم الحجَّةُ أذعنوا، وذلك في قوله:{الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا}.
فلمَّا علموا أنه عزم {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} أي: ما سنُّها؟ {قَالَ} موسى: {إِنَّهُ} أي: الله {يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ} مُسِنَّةٌ {وَلَا بِكْرٌ} صغيرة {عَوَانٌ} نصفٌ {بَيْنَ ذَلِكَ} المذكورِ من السنين {فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} به من ذَبْحها. {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} شديدُ الصُّفرة {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} إليها بحسنها؛ أي: تُعجبهم. {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} أسائمةٌ أم عاملةٌ؟ {إِنَّ الْبَقَرَ} أي: جنسَه المنعوت بما ذكر {تَشَابَهَ عَلَيْنَا} لكثرتِه فلم نهتدِ إلى المقصودة {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} إليها. وفي الحديث:((لو لم يستثنوا لَمَا بُيِّنتْ لهم آخر الأبد)) (١). {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ} غيرُ مذلَّلةٍ بالعمل {تُثِيرُ الْأَرْضَ} تقلبها للزراعة والجملة صفةُ «ذلول» داخلةٌ في النفي {وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ} الأرض المهيأة للزراعة {مُسَلَّمَةٌ}
(١) أخرجه الطبري في تفسيره (٢/ ٩٩ - ١٠٠) عن قتادة وابن جريج مرسلًا، وبنحوه في «تفسير ابن أبي حاتم» (١/ ١٤١، رقم ٧٢٢) عن أبي هريرة، به. وفيه سرور بن المغيرة وعباد بن منصور، وهما ضعيفان كما في «الميزان» (٣٠٨٣)، (٤١٤١).