للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو من الإيمان بالكتاب، وقتالهم هو من الكفر بالكتاب، ولهذا قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}.

وقوله: {وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ}: تأكيدٌ لِمَا تضمَّنه الميثاقُ من النهي عن إخراج بعضهم من أهل مِلتهم من ديارهم.

وقوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}: إنكارٌ على اليهود وتوبيخٌ لهم على نقضهم الميثاق وتناقضهم في الإيمان بالكتاب، إذ يقتل بعضُهم بعضًا، ويخرجونهم من ديارهم، وإذا أُسر أحدٌ منهم عند عدوهم فادوهم، فمُفاداةُ أسراهم هو من الواجب عليهم، وهو من إيمانهم بالكتاب، وقتل بعضهم بعضًا هو من كُفْرهم بالكتاب، وهذا معنى قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}.

ويوضِّحُ المفسِّرون مضمون الآيتين بذكر ما تُشير إليه من حال اليهود بعضهم مع بعضٍ قبل مَبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فيذكرون أنَّ اليهودَ الذين كانوا حول المدينة ثلاثُ قبائل: بنو قريظة، وبنو النضير، وبنو قينقاع، وكان جيرانُهم الأوس والخزرج، وهم مشركون عُبَّاد أوثان، تكون بينهم حروب في الجاهلية، وكان بين اليهود والأوس والخزرج حِلفٌ، فيقاتل اليهود بعضهم بعضًا كل مع حلفائه، فيقتلونهم ويُخرجونهم من ديارهم (١)، وهذا ما نهاهم الله عنه في الميثاق بقوله: {لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ}، ثم إذا أُسر أحدٌ من اليهود عند الأوس أو الخزرج فإنَّ اليهود يُفادونهم وهو واجبٌ عليهم في التوراة، وقتلُ بعضهم بعضًا وإخراجهم من ديارهم حرامٌ عليهم في التوراة، ولهذا قال الله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}.


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٢٠٧ - ٢٠٩)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (١/ ١٦٤، رقم ٨٦٠)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٣١٩).

<<  <   >  >>