ثم توعَّد اللهُ اليهودَ على ذلك بالخزي في الدنيا وبأشدِّ العذاب في الآخرة فقال:{فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}، ثم أخبر تعالى أنَّ علمَه محيطٌ بأعمالهم فقال: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)}، ثم بيَّن سبحانه أنَّ الذي حملهم على ما فعلوا من الكفر بالكتاب ونقض الميثاق هو إيثارُ الدنيا على الآخرة فقال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ}.
الإشارة إلى الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، يُخبر تعالى عنهم بأنهم آثروا الدنيا على الآخرة فاستبدلوا الدنيا بالآخرة، وجعلوا حظوظ الدنيا عوضًا عن حظِّ الآخرة؛ لذلك يصيرون في الآخرة إلى أشد العذاب ولا يُخفَّفُ عنهم العذابُ، ولا هم يُنصرون فيُنقذون من العذاب.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ} وقلنا {لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} تُريقونها بقتل بعضكم بعضًا {وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ} لا يُخرجْ بعضُكم بعضًا من داره {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} قبلتم ذلك الميثاق {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} على أنفسكم. {ثُمَّ أَنْتُمْ} يا {هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ} يقتل بعضُكم بعضًا {وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ تَظَّاهَرُونَ} فيه إدغامُ التاء في الأصل في الظاء. وفي قراءةٍ بالتخفيف على حذفها: تتعاونون {عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ} بالمعصية {وَالْعُدْوَان} الظلم {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى} وفي قراءةٍ {أَسْرَى تَفْدُوهُمْ} وفي قراءة {تُفَادُوهُمْ} تُنقذوهم من الأسر بالمال أو غيره، وهو مما عهد إليهم {وَهْوَ} أي الشأن {مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إخْرَاجُهمْ} متصلٌ بقوله: {وَتُخْرِجُونَ}، والجملةُ بينهما اعتراضٌ؛ أي كما حرم ترك الفداء، وكانت قريظة حالفوا الأوس، والنضير الخزرج، وكان كلُّ فريقٍ يُقاتلُ مع حلفائه ويخرب ديارهم ويخرجهم، فإذا أسروا فدوهم، وكانوا إذا سئلوا لم