للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منهما، ولهذا قال تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}، و «ما» في قوله: {وَمَا يُعَلِّمَانِ} نافيةٌ.

ثم بيَّن تعالى أنَّ ما يتعلَّمُه الناسُ من هاروت وماروت يتوصَّلون به إلى التفريق بين المرء وزوجه، بتبغيض كلٍّ منهما إلى الآخر، ثم بيَّن تعالى أنَّ الذين تعلَّموا عِلم السِّحر لن يضرُّوا به أحدًا إلَّا بإذن الله؛ الإذن الكوني، وهو مشيئته، فقال تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}. ثم أخبر أنَّ الذين يتعلَّمون السحر يتعلَّمون {مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ}؛ لأنه يُفضي بهم إلى الكفر بالله والظلم لعباد الله.

ثم أخبر تعالى خبرًا مؤكدًا بأَّن الذين يتعلمون السحر ويستبدلونه بالعلم الذي جاءت به الرسلُ أخبر تعالى أنهم يعلمون أنَّ مَنْ فعل ذلك {مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}؛ يعني: من نصيبٍ (١).

ثم ذمَّهم سبحانه وتعالى على إيثار ما يضرُّ على ما ينفع؛ فقال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢)}، و {شَرَوْا} بمعنى: باعوا؛ فالمعنى: باعوا أنفسهم بما فيه هلاكُهم وشقاؤهم، والمعنيون بذلك هم اليهودُ الذين أخبر الله عنهم في أول الآية بأنهم نبذوا كتابَ الله وراء ظهورهم واتبعوا ما تتلوا الشياطين من السحر، ثم أخبر تعالى بأنهم لو آمنوا بالله وكتبه ورسوله واتقوا ربَّهم بفعل الواجبات وترك المحرمات؛ لكان لهم من ثواب الله ما هو خيرٌ لهم مما اختاروه وآثروه وتعلَّموه؛ فقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ}.

وقوله تعالى: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣)} المعنى: لو كانوا يعلمون العلمَ النافعَ لَمَا آثروا ما يضرُّ على ما ينفع، ولكنهم لا يعلمون.


(١) ينظر: «المفردات» للراغب (ص ٢٩٧).

<<  <   >  >>