للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه: (كما هديناكم إليه): يُبيِّنُ أنَّ اسم الإشارة في قوله: {وكذلك} راجعٌ إلى هداية المؤمنين إلى الصراط المستقيم؛ فالمعنى: كما هديناكم إلى الصراط جعلناكم أمةً وسطًا.

وقولُه: (صيَّرنا): فسَّرَ الجعلَ في الآية بالتصيير؛ فلهذا قال: {جعلنا} صيَّرنا، وصيَّرَ يقتضي مفعولين، وليس في الآية لفظٌ يصلح مفعولًا ثانيًا، والأظهرُ أنَّ المعنى: وما شرعنا (١) استقبالَ القبلة التي كنت عليها، -وهي: بيت المقدس- ثم صرفناك عنها إلى الكعبة إلَّا ليتبيَّن مَنْ يتَّبعك ممن لا يتَّبعك.

وقولُه: (وهي الكعبة): بيانٌ للمراد بالقبلة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم يوم كان بمكة، وهذا أحدُ القولين (٢)، والقولُ المشهور، وهو قول الجمهور، أنَّ المرادَ بالقبلة التي كان عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم هي بيتُ المقدس (٣)؛ إذ كان يستقبلها بعد الهجرة ستة عشر شهرًا (٤)، فكان عليها هذه المدةَ ثم صُرف عنها إلى استقبال الكعبة في المسجد الحرام، وهذا التحويلُ هو الذي صار فتنةً، فبيَّن به {مَنْ يتَّبعُ الرسول ممن ينقلبُ على عقبيه}.


(١) وهو قول الرازي وابن عاشور. ينظر: «تفسير الرازي» (٤/ ٨٩)، و «التحرير والتنوير» (٢/ ٢٢).
(٢) ينظر: «تفسير البغوي» (١/ ١٦١)، و «الكشاف» (١/ ٣٣٩ - ٣٤٠)، و «تفسير القرطبي» (٢/ ١٥٦)، و «البحر المحيط» (٢/ ١٥).
(٣) وهو قول قتادة وعطاء والسدي وعطية، واختاره الطبري وجمهور المفسرين. ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٦٣٨ - ٦٣٩)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٣٦٩)، و «زاد المسير» (١/ ١٢٠).
(٤) قيل: ستة عشر شهرًا، وقيل: سبعة عشر شهرًا، وقيل غير ذلك، ورواية البخاري (٤٠) (٤٤٨٦)، ومسلم (٥٢٥) عن البراء بن عازب: «وأنه صلَّى صلى الله عليه وسلم قبل بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا»، على الشك، وجزم مسلم في رواية أنها ستة عشر شهرًا، وقال في الفتح (١/ ٩٦): «والجمع بين الروايتين سهل، بأن يكون من جزم بستة عشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهرًا وألغى الزائد، ومن جزم بسبعة عشر عدهما معًا، ومن شك تردد في ذلك». تنظر الروايات في: «تفسير الطبري» (٢/ ٦١٨ - ٦٢٢).

<<  <   >  >>