كَرَّةً}؛ أي: عودةً إلى الدنيا {فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ}؛ أي: مِنْ الرؤساء المستكبرين {كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا}، فالأتباعُ يتمنَّون الردَّ إلى الدنيا ليتبرَّؤوا من الذين تبرَّؤوا منهم، وهذا معنى:{وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا}، وفي ذلك اليوم يريهم اللهُ أعمالَهم القبيحة التي يتحسَّرون منها ندمًا على تفريطِهم كما قال تعالى:{وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ}[يونس: ٥٤]، ولكن لا ينفعُ الندمُ لذلك اليوم ولا يُخلِّصُهم من عذاب الله، ولهذا قال تعالى:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} المعنى: أنَّ الله يُرِي التابعينَ والمتبوعينَ أعمالَهم فتكون حسراتٍ عليهم فيُدخلهم بها النار دخولًا لا خروجَ بعده، ولهذا قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار (١٦٧)}، والظرفُ في قوله:{إِذْ تَبَرَّأَ} بدلٌ من الظرف في قوله: {إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ}.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي غيره {أَنْدَادًا} أصنامًا {يُحِبُّونَهُمْ} بالتعظيمِ والخضوعِ {كَحُبِّ اللَّهِ} أي كحُبِّهم له {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} مِنْ حُبِّهم للأنداد؛ لأنهم لا يعدلون عنه بحالٍ ما، والكفار يعدلون في الشدَّة إلى الله {وَلَوْ تَرَى} تُبِصِرْ يا محمد {الَّذِينَ ظَلَمُوا} باتخاذ الأنداد {إِذْ يَرَوْنَ} بالبناء للفاعل والمفعول يُبصِرون {الْعَذَابَ} لرأيت أمرًا عظيمًا، وإذ بمعنى إذا {أَنَّ} أي: لأنَّ {الْقُوَّةَ} القدرة والغلبة {لِلَّهِ جَمِيعًا} حال {وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} وفي قراءة: {يَرَى} بالتحتية. والفاعل؛ قيل: ضمير السامع، وقيل {الَّذِينَ ظَلَمُوا} فهي بمعنى: يعلم، و «أَنَّ» وما بعدها سدتْ مسدَّ المفعولين، وجواب لو محذوف. والمعنى: لو علموا في الدنيا شدةَ عذابِ الله وأنَّ القدرةَ لله وحده وقت معاينتهم له وهو يوم القيامة؛ لَمَا اتخذوا من دونه أندادًا. {إِذْ} بدل من إذ قبله {تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا} أي: الرؤساء {مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}