للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى}: أي: استبدلوا الضلالة، وهو كتمانُ العلم وإيثارُ الدنيا على الآخرة؛ استبدلوا هذا بالهدى؛ وهو: بيانُ الكتاب، وتبليغُه للناس، وإيثارُ ما عند الله من الثواب للمؤمنين والعاملين بالكتاب، والآية نزلت في أهل الكتاب، والمراد بهم: اليهود (١)، وهذه الآية نظير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون (١٥٩) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا … } الآية [البقرة: ١٥٩ - ١٦٠] (٢).

وقوله: {وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ}: يعني: اشتروا العذابَ بالمغفرة؛ لأنهم اشتروا الضلالة -وهي سبب العذاب- بالهدى، وهو: سبب المغفرة.

وقوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّار (١٧٥)}: تعجُّبٌ من صبرهم على عذاب الله، وهو الذي لا يُعذِّبَ مثل عذابه أحدٌ، ولا يدل هذا على أنهم يصبرون، لكن إيثارهم العذاب يُشعِر بأنَّ لهم صبرًا عليه مع أنهم صبروا أو لم يصبروا سواء عليهم (٣).

وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}: اسمُ الإشارة راجعٌ لِمَا تقدَّم من الذم والوعيد للكاتمين ما أَنزل اللهُ المحرِّفين لكلام الله، يقول تعالى: ذلك بسبب أنَّ اللهَ نزَّل الكتابَ بالحقِّ؛ فكتموه وحرَّفوه ولم يتَّبعوه، والكتاب هو: القرآنُ أو التوراة أو كلَّ كتاب أنزله الله، والحق الذي في الكتاب: ما فيه من


(١) ينظر: «أسباب النزول» (ص ٤٨ - ٤٩)، و «العجاب» (١/ ٤١٩).
(٢) ينظر: (ص ٣٣٠).
(٣) والقول بأن (ما) للتعجب هو قول مجاهد والحسن وقتادة، وهو اختيار الطبري وجمهور المفسرين. ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٧٠)، و «الكشاف» (١/ ٣٦٨)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٤١٧)، و «البحر المحيط» (٢/ ١٢٤).

<<  <   >  >>