الأخبار والشرائع، ومنها الخبرُ بصفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والأمر بالإيمان به واتباعه، فكتَمَه هؤلاء وآمنوا ببعضٍ وكفروا ببعضٍ مع أنه كله حق؛ ولهذا قال تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد (١٧٦)}؛ أي: مشاقة لله ورسوله، وهي العداوةُ والمحاربة، وفي هذه الآيات عودٌ إلى ذكر مساوئ أهل الكتاب الذين لا يُحرِّمون ما حرَّمَ اللهُ ورسولُه، ومن ذلك الخنزير، وبهذا تظهرُ مناسبةُ هذه الآيات للآيتين قبلها.
{إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْكِتَابِ} المشتملِ على نعتِ محمَّدٍ، وهم اليهود {وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} من الدنيا يأخذونه بدله من سَفَلتهم فلا يُظهرونه خوفَ فوتِه عليهم {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ إلَّا النَّار} لأنها مآله {وَلَا يُكَلِّمهُمْ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة} غضبًا عليهم {وَلَا يُزَكِّيهِمْ} يُطهرهم من دَنَس الذنوب {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مؤلمٌ، هو النار. {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} أخذوها بدله في الدنيا {وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ} المُعدّةِ لهم في الآخرة لو لم يكتموا {فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار} أي: ما أشدَّ صبرَهم، وهو تعجيبٌ للمؤمنين من ارتكابهم موجباتها من غير مبالاة، وإلَّا فأيُّ صبرٍ لهم؟ {ذَلِكَ} الذي ذُكِر من أكلهم النار وما بعده {بِأَنَّ} بسبب أنَّ {اللَّه نَزَّلَ الْكِتَاب بِالْحَقِّ} مُتعلق بـ «نزل» فاختلفوا فيه حيث آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه بكتمِه {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَاب} بذلك، وهم اليهود، وقيل: المشركون، في القرآن حيث قال بعضُهم: شِعرٌ، وبعضُهم: سِحرٌ، وبعضُهم: كهانةٌ {لَفِي شِقَاقٍ} خِلافٍ {بَعِيد} عن الحقِّ.