{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ … } إلى آخر الآية، فتضمَّنت الآيةُ أنَّ من البر الإيمانُ بالأصول الخمسة؛ وهي: الإيمانُ بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب -أي: الكتب- والنبيين، وهذه أُصولُ الاعتقاد.
ثم ذكر ما يَدخل في البرِّ من العبادات المالية والبدنية من فرضٍ وتطوع؛ فقال تعالى:{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ}، ومن البرِّ الوفاءُ بالعهود والصبرُ على المصائب وفي الجهاد، وهذا ما تضمَّنه قوله تعالى:{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ}، ثم خُتمت الآيةُ بنَعْتِ مَنْ تقدَّمَ ذِكرُهم في الصدق والتقوى؛ فقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون (١٧٧)}.
وقوله:{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ}: على حذف مُضافٍ تقديرُه: ولكنَّ البرَّ إيمانُ وعملُ مَنْ آمنَ بالله … إلى آخره (١)، ومع ما تقدَّمَ فقد تضمَّنت الآيةُ بيانَ مواضعِ الإنفاقِ المستحبِّ في قوله تعالى:{ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ}، مع النصِّ على أَوجب الواجبات العملية؛ وهي: الصلاة، والمالية؛ وهي: الزكاة، وذو القربى: هم القرابة من جهة الأبوين، فيدخل فيهم الأخوةُ والأخواتُ وأولادُهم، والأعمامُ والعمَّاتُ وأولادهم، والأخوالُ والخالاتُ وأولادهم، والأجدادُ والجدَّاتُ، ويدخل في ذوي القُربى الذريةُ من بنينَ وبنات. وأمَّا اليتامى: فواحدُهم يتيم؛ وهو مَنْ مات أبوه قبل أن يَبلُغَ، والغالبُ أن يكون فقيرًا. والمساكينُ: جمعُ مسكين، وهو مَنْ لا يملكُ كِفايتَه من مَطعمٍ ومَشربٍ ومَلبسٍ ومَسكنٍ.
وابنُ السبيل: هو المنقطعُ به في سفره.
(١) وهو اختيار الفراء والزجاج وقطرب، وتخريجُ سيبويه واختياره. ينظر: «معاني القرآن» للفراء (١/ ٦٢)، (١/ ١٠٤)، و «تفسير الطبري» (٣/ ٧٧)، و «معاني القرآن» للزجاج (١/ ٢٤٦ - ٢٤٧)، و «الكشاف» (١/ ٣٦٢)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٤٢٠)، و «الدر المصون» (٢/ ٢٤٥).