{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا}: بإطعام أكثر من مسكينٍ فهو خيرٌ له.
وقوله تعالى:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ}: أَي: من الفدية، ومعنى هذا: أنَّ الذي يُطيقُ الصيامَ يُخيَّرُ بين الصيامِ والفديةِ، والصومٌ خيرٌ له، وهذا حكمٌ منسوخٌ بقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، فصار الصومُ حتمًا، ونُسِخَ التخييرُ، ولكن بقي حكمُ الفدية للشيخ والشيخة يَشقُّ عليهما الصيامُ؛ فيُباحُ لهما الفطرُ، ويُطعمان عن كلِّ يومٍ مسكينًا.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ} فُرِضَ {عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} من الأمم {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} المعاصي، فإنه يكسرُ الشهوةَ التي هي مبدؤها {أَيَّامًا} نُصبَ بالصيام، أو بصوموا مقدَّرًا {مَعْدُودَاتٍ} أي: قلائل، أو مؤقتات بعددٍ معلومٍ وهي رمضان كما سيأتي، وقلَّله تسهيلًا على المكلَّفين {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ} حين شهودِه {مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} أي مسافرًا سفرَ القصر وأَجهدَه الصومُ في الحالين فأَفطرَ {فَعِدَّةٌ} فعليه عددُ ما أَفطر {مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يصومها بدلَه {وَعَلَى الَّذِينَ} لا {يُطِيقُونَهُ} لِكِبَرٍ أو مرضٍ لا يُرجَى بُرؤه {فِدْيَةٌ} هي {طَعَامُ مِسْكِينٍ} أي: قَدْرَ ما يأكلُه في يومه، وهو مُدٌّ من غالب قوتِ البلد، لكلِّ يومٍ، وفي قراءةٍ بإضافةِ «فِدية»؛ وهي للبيان، وقيل:«لا» غير مُقدَّرة، وكانوا مُخيَّرين في صدر الإسلام بين الصوم والفِدية ثم نُسخ بتعيين الصوم بقوله:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، قال ابن عباس: إلَّا الحاملُ والمرضعُ إذا أفطرتا خوفًا على الولد؛ فإنها باقيةٌ بلا نسخٍ في حقِّهما (١){فمن تطوع خيرًا} بالزيادة
(١) أخرجه أبو داود (٢٣١٧)، وأبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (رقم ١١٠)، والطبري في التفسير (٣/ ١٧٠)، وابن أبي حاتم في التفسير (١/ ٣٠٧)، والدارقطني في السنن (٢٣٨٥)، وابن الجارود في «المنتقى» (٣٨١)، وصححه: الدارقطني، وابن الجارود، والألباني. ينظر: «الإرواء» (٤/ ١٩، رقم ٩١٢).