للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {وَبَيِّنَاتٍ}: معطوف على هدى؛ منصوب على الحال، وهو صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ؛ أي: وآياتٍ بيناتٍ؛ أي: واضحاتٍ، ومُبيِّناتٍ للحقِّ والباطل وسبيل الرشد وسبيل الغي، وفي ذلك الهدى العاصم من الضلال، والفرقان العاصم من اللبس والالتباس.

وقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}: هذا أمرٌ من الله لمن كان عند دخول الشهر صحيحًا مقيمًا أن يصومَ الشهر، وقد ذهب جمعٌ من السلف من الصحابة وغيرهم إلى أنه يجب على مَنْ هذه حاله أَنْ يصومَ الشهرَ كلَّه، ولو سافر فلا يُباح الفطرُ في السفر إلَّا لمن دخل عليه الشهرُ وهو مسافرٌ (١)، وذهب جمهورُ العلماء أَنه يُباح الفطرُ للمسافر ولو قد صام أَوَّل الشهرِ في الحضر (٢)؛ لِمَا ثبت في السنَّةِ الصحيحة من أنه صلى الله عليه وسلم سافر هو وأصحابه عامَ الفتح في رمضان، وكانوا صيامًا حتى بلغوا الكديد (٣) فأفطر صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بالفطر (٤)، وعلى هذا فقوله: {فَلْيَصُمْهُ} أي: فليَصُم ما كان حاضرًا فيه من الشهر من أَوَّله أو آخره.

وقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} معناه: أَنَّ مَنْ كان مريضًا أو مسافرًا فأَفطَر؛ فعليه صيامُ عِدَّةِ الأيام التي أفطرها من أَيامٍ أُخَر قضاءً، وجاء ذكر هذه الرخصة للمريض والمسافر بعد الأمر بصيام الشهر مَنْ كان حاضرًا صحيحًا مُقيمًا، كما ذُكِرت الرخصةُ بالفطر للمريض والمسافر بعد


(١) روي عن عائشة، وابن عمر، وابن عباس، وسويد بن غفلة، وسعيد بن جبير، في آخرين من السلف. ينظر: «مصنف عبد الرزاق» (٤/ ٢٦٩، رقم ٧٧٥٩، ٧٧٦١)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (رقم ٩٢٤٦ - ٩٢٤٩)، و «تفسير الطبري» (٣/ ١٩٢ - ١٩٦)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (١/ ٣١١ - ٣١٢، رقم ١٦٥٦).
(٢) ينظر: «المجموع شرح المهذب» (٦/ ٢٦٨)، و «المغني» (٤/ ٣٤٥ - ٣٤٦).
(٣) الكَديد: مكان ما بين عسفان وقديد على اثنين وأربعين ميلًا من مكة. ينظر: «معجم البلدان» (٤/ ٤٤٢)، و «مراصد الاطلاع» للقطيعي (٣/ ١١٥٢).
(٤) أخرجه البخاري (٢٩٥٣)، ومسلم (١١١٣) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <   >  >>