للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون (١٨٥)}: لعل: للتعليل؛ أي: لتشكروا اللهَ على ما أَنعم به من النِّعم العظيمةِ والشرائعِ القويمةِ، والشكرُ يكون بالقلب اعترافًا وتعظيمًا وحبًا وانقيادًا، وباللسان إقرارًا وثناءً، وبالجوارح فِعلًا للمأمورات وتركًا للمنهيات ومسارعة في الخيرات.

وقد تضمَّنتْ هذه الجملُ ثلاثَ حِكَمٍ فيما كتبه اللهُ على عباده من صيام شهر رمضان مع التيسير والتخفيف، والحِكَم هي: إكمالُ عدَّةِ ما فَرض اللهُ من الصيام، وتكبيرُه تعالى عند التمام بالقلب واللسان على هدايته وتوفيقه، والثالثةُ من الحكم: شكرُ المؤمنين لربهم على ما شَرعَ ويَسَّرَ من الأحكام، وكلُّ هذه الحِكمِ مُرادَةٌ لله وواجبةٌ على العباد، ومن هذه الآية أَخذ العلماءُ مشروعيةَ التكبير ليلةَ عيد الفطر وصبحَه (١).

تلك الأيام {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر منه {هُدًى} حال هاديًا من الضلالة {لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ} آياتٍ واضحاتٍ {مِنَ الْهُدَى} مما يهدي إلى الحقِّ من الأحكام {وَ} مِنْ {الْفُرْقَانِ} مما يفرقُ بين الحقِّ والباطل {فَمَنْ شَهِدَ} حَضَرَ {مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} تقدَّم مثله، وكُرِّرَ لِئلَّا يُتوهَّمُ نسخُه بتعميم مَنْ شهد.

{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ولذا أباح لكم الفطرَ في المرض والسفر، ولكون ذلك في معنى العلة أيضًا للأمر بالصوم عُطِفَ عليه {وَلِتُكْمِلُوا} بالتخفيف والتشديد {الْعِدَّةَ} أَي: عدةَ صومِ رمضان


(١) جاء عن ابن عباس وزيد بن أسلم وسفيان، وهو قول جمهور المفسرين. ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٢٢١ - ٢٢٢)، و «تفسير القرطبي» (٢/ ٣٠٦)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٥٠٥).

<<  <   >  >>