للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أهل الكتاب: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِر} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون (٢٩)} [التوبة: ٢٩] (١).

وقوله: {وَلَا تَعْتَدُواْ}: نهيٌ عن الاعتداء بجميع أنواعه، فيشمل قتالَ المعاهدين، وقَتْلَ ما لا يحلُّ قتلُه كالنساء والصبيان، ومما يُعَدُّ اعتداءً: التمثيلُ بأبدان القتلى من الكفار لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك (٢)، والاعتداءُ في القرآن يأتي على وجهين:

أحدهما: مجاوزةُ حدودِ الله إلى ما حرم، ومنه قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون (٢٢٩)} [البقرة: ٢٢٩]، وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين (٨٧)} [المائدة: ٨٧].

الثاني: الاعتداءُ على الناس بظلمهم بقتلٍ أو غصبٍ ونحو ذلك، ومنه قوله تعالى -في آية القصاص-: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيم (١٧٨)} [البقرة: ١٧٨]، وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٩٤] (٣)، وسُمِّيَ الجزاء على الاعتداءُ اعتداءً مشاكلة لفظية (٤)؛ كقوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: ٤٠]. وقوله في هذه الآية: {وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين (١٩٠)} تحتمل الوجهين.


(١) هذا مبني على ما تقدم من الخلاف في المراد بالموصول {الذين يقاتلونكم}، ينظر ما تقدم، و «الناسخ والمنسوخ» للنحاس (ص ١٠٧)، و «نواسخ القرآن» لابن الجوزي (ص ٦٥)، و «قلائد المرجان» (ص ٦٤).
(٢) أحاديث النهي عن المثلة جاءت عن جمع من الصحابة كعبد الله بن يزيد الأنصاري، وبريدة في البخاري (٢٤٧٤)، ومسلم (١٧٣١)، وورد النهي أيضًا في حديث أنس بن مالك، وعمران بن حصين، وسمرة بن جندب، ويعلى بن مرة. ينظر: «إرواء الغليل» (٢٢٣٠).
(٣) ينظر: «الوجوه والنظائر» لمقاتل (ص ٦٦)، و «التصاريف» ليحيى بن سلام (ص ١٨٧).
(٤) ينظر: «معاني القرآن» للزجاج (١/ ٢٦٥)، و «الكشاف» (١/ ٣٩٧)، و «التحرير والتنوير» (٢/ ٢٠٩)، و (٢/ ٢١١).

<<  <   >  >>