للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}: أَمر بقتل المشركين المحاربين حيث وجدوا.

وقوله: {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} أي: حيث وجدتموهم (١).

وقوله: {وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}: أمر بإخراجهم من الأرض التي أخرجوا المؤمنين منها، وقوله تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}: الفتنةُ في هذه الآية ونحوها: الشرك (٢)، وما في حُكمه من أنواع الكفر، وما ينشأُ عن ذلك من الصدِّ عن سبيل الله، فإنه أَشدُّ وأَعظمُ عند الله من القتل والقتال في الشهر الحرام أو في البلد الحرام كما سيأتي في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ … } الآية [البقرة: ٢١٧].

وقوله: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}: نهيٌ عن قتال المشركين عند المسجد الحرام، وهو الحَرَمُ كلُّه، والمسجدُ الحرامُ: هو المصلَّى الذي حولَ الكعبة، والذي عنده جميع الحرم.

وقوله: {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}: تقييدٌ للنهي عن قتالهم، فعُلِمَ أَنَّ النهي عن بدئهم بالقتال، فإن كفُّوا وجبَ الكفُّ عنهم، وإن بدؤوا بالقتال جاز قتالُهم وقَتْلُهم {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} -أي: عند المسجد الحرام- {فَاقْتُلُوهُمْ}، وهذه الآية أعني: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} مخصِّصةٌ لقوله: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}، وقوله: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: ٥]، والصحيحُ: أَنَّ هذه الآيةَ مُحكمةٌ، فلا يحلُّ في الحرم إِلا قتالُ مَنْ قاتلَ فيه (٣)، ويؤيد أَنَّ الآيةَ مُحكمةٌ قولُه


(١) «المفردات» (ص ١٧٣).
(٢) «نزهة الأعين النواظر» (ص ٤٧٨).
(٣) وهو قول مجاهد، وذهب إليه جمهور المفسرين. ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٢٩٦)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (١/ ١٥١ - ١٥٣)، و «نواسخ القرآن» لابن الجوزي (ص ٦٧)، و «تفسير القرطبي» (٢/ ٣٥١ - ٣٥٣)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٥٢٥). وفي نسخ هذه الآية خلاف قوي؛ حتى قال عنها النحاس: «من أصعب ما في الناسخ والمنسوخ»، «الناسخ والمنسوخ» (ص ١٠٩).

<<  <   >  >>