للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مما تقدَّم أَنَّ اعتزالَ النساء الذي أَمر اللهُ به وأَكَّده بالنهي عن قربانهنَّ حتى يطهرنَ: هو تركُ وَطئها في الفرج حتى تطهرَ بانقطاع الدم ثم تغتسل؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ}، وفي هذا الحرف قراءتان؛ فقرأ بعضُهم: {يَطْهُرْنَ} بصيغة الفعل المضارع من الثلاثي، وهو بسكون الطاء وضم الهاء، وقرأَ بعضُهم بتشديد الطاء والهاء (١)، ورجَّح هذه القراءة ابنُ جرير (٢)، ومعناها: «يغتسلن»، ومعلومٌ أَنَّ الاغتسالَ لا يكون إلَّا بعد انقطاع الدم، ومما يُرجِّحُ هذه القراءةَ -أعني: قراءةَ التشديد- أَنه فُرِّعَ عليها الجملةُ الشرطية، وهي: قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ}، فعلَّق إباحةَ إتيانهنَّ على ما إذا تطهَّرنَ؛ أي: اغتسلن، والاغتسالُ: هو التطهُّرُ من الحدث الأَكبر كما قال تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [المائدة: ٦]، وقوله: {وَلَا جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} [النساء: ٤٣]. وقوله: {فَأْتُوهُنَّ}: هذا أَمرُ إِباحةٍ بعد النهي؛ كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢].

وقوله: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ} ذكر فيه ابنُ جرير عدة أقوال، منها: فأتوهنَّ من حيثُ أَمركم اللهُ باعتزالهنَّ فيه، وهو الفرجُ، ورواه عن جمعٍ من السَّلف (٣)، ورجَّح أَنَّ المعنى: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ} أَي: الطُّهر؛ فالمعنى: فأتوهنَّ طاهرات لا حيَّض (٤).


(١) قرأ عاصم في رواية أبي بكر، وحمزة، والكسائي، وخلف: {حَتَّى يَطَّهَّرْنَ} مشددة الطاء؛ والهاء مفتوحة، وقرأ الباقون {حَتَّى يَطْهُرْنَ} خفيفة والهاء مضمومة. ينظر: «السبعة في القراءات» (ص ١٨٢)، و «النشر» (٢/ ٢٢٧).
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٧٣٢).
(٣) رواه عن ابن عباس في رواية ابن أبي طلحة وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وغيرهم من السلف. ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٧٣٥ - ٧٣٨).
(٤) ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٧٤٠ - ٧٤٢).

<<  <   >  >>