للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالصواب في ذلك عندنا قراءةُ مَنْ قرأَ: {وَصِيَّةٌ} بالرفع، بدليل أَنَّ مقامَ المتوفَّى عنها زوجُها في بيت زوجها المتوفَّى حولًا كاملًا، كان حقًّا لها قبل نزول آية يتربصنَ أَربعةَ أَشهرٍ وعشرًا، وقبل نزول آية الميراث، أَوصى لهنَّ أَزواجهن بذلك قبل وفاتهم أَوْ لم يُوصوا لهنَّ به».

ثم قدَّر رحمه الله سائلًا، قال: ما الدليلُ على أَنَّ قعود المتوفَّى عنها في بيت زوجها كان حقًّا لها قبل آيةِ العدَّةِ وآيةِ الميراث؟ فأجاب رحمه الله بما حاصله: أَنَّ اللهَ أَخبر عن الرجال المتوفَّين ولهم أَزواجٌ، والمتوفَّى لا يُؤمر بالوصية وإنما يؤمر بالوصية مَنْ حضره الموتُ كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ} [البقرة: ١٨٠]، عُلم أَنَّ اللهَ جعل لامرأة المتوفَّى أَنْ تقعدَ في بيته حولًا بعد وفاته؛ قال: «ولو كان المعنى: فليوصوا وصيةً؛ لوجبَ أَنْ يكون لفظُ الآية: (والذين يحضرهم الموت)»، وأيضًا فلو كان قعودُ المتوفَّى عنها في بيت زوجها حولًا واجبًا بوصيةٍ من زوجها قبل وفاتِه لَمَا كان ذلك حقًّا لها إذا لم يوصِ ولا جاز لورثته إخراجها، وقد قال تعالى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ}.

إذن: فليس معنى الآية أَمر الأَزواجِ بالوصية لزوجاتهم قبل وفاتهم كما تقتضيه قراءة من قرأ {وَصِيَّةً} بالنصب على معنى: فليوصوا وصيةً، أَوْ عليهم أَنْ يوصوا وصيةً، ولَمَّا نفى رحمه الله أن يكون معنى الآية أَمر الأَزواج بالوصية لزوجاتهم؛ قال: «وإنما معنى الآية: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} كتب اللهُ لأزواجهم عليكم وصيةً منه لهنَّ أَيها المؤمنون، أَنْ لا تُخرجوهنَّ من منازل أَزواجهنَّ حولًا، كما قال تعالى ذكره في سورة النساء: {غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللّهِ} [النساء: ١٢]».

قلت: فعُلم مما تقدَّم من كلام ابن جرير أَنَّ في المراد بالوصية في الآية قولان:

الأَول: أَنَّ المرادَ الوصية من الأزواج المتوفين لزوجاتهم أَمرهم الله بها.

<<  <   >  >>