للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه: {بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ}: أَي: بشيءٍ مما يعلمه سبحانه، فيكون العلمُ بمعنى: المعلوم، والمصدرُ مُضافٌ إلى فاعله، وقيل: بشيءٍ من علم ذاتِه وأَسمائه وصفاتِه (١)، والضميرُ المجرورُ على التقديرين راجعٌ إلى الله، وهذا النفيُ يتضمَّنُ إِثباتَ كمال عظمته. وقولُه: {إِلاَّ بِمَا شَاء}: أَي: إِلَّا بالذي شاءَه من المعلومات، أَوْ إِلَّا بمشيئته، فـ «ما» على الأَول موصولةٌ، وعلى الثاني مصدريةٌ.

وقولُه تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}: معناه: أَنَّ كرسيه تعالى أَوسعُ من السماوات والأرض، وقد وسعها، وقد جاء في الأثر: ((ما السماواتُ السَّبعُ في الكرسي إلَّا كدراهمَ سبعةٍ أُلقيت في ترس)) (٢).

وقد اختلف العلماءُ في المراد بالكرسي؛ فقيل: {كُرْسِيُّهُ}: علمُه، روي عن ابن عباس (٣)، وفي ثبوته عنه نظرٌ، ولعلَّه لا يصحُّ، وذلك لأمرين:


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٤/ ٥٣٦ - ٥٣٧)، و «المحرر الوجيز» (٢/ ٢٦)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٦٧٦ - ٦٧٧)، و «التحرير والتنوير» (٣/ ٢٢).
(٢) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (٢/ ٥٨٧)، من طريق أصبغ بن الفرج، والطبري في التفسير (٤/ ٥٣٩) من طريق ابن وهب، كلاهما عن عبد الرحمن بن زيد، عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وذكره. وهذا مرسل؛ لأن زيد بن أسلم تابعي، وعبد الرحمن بن زيد ضعيف جدًا كما في «الضعفاء الصغير» للبخاري (٢١٤)، و «الميزان» (٤٨٦٨).
(٣) روي عن ابن عباس ولا يصح عنه: أخرجه الطبري (٤/ ٥٣٧)، وابن أبي حاتم (٢/ ٤٩٠، برقم ٢٥٩٩)، واللالكائي في «السنة» (٣/ ٤٤٩)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (رقم ٢٣٣) من طريق مطرف، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس {وسع كرسيه السماوات والأرض} [البقرة: ٢٥٥]، قال: «علمه».
وخالف مطرفَ: سفيانُ الثوري؛ فرواه في «تفسيره» -كما في «فتح الباري» (٨/ ١٩٩) - عن جعفر، عن سعيد بن جبير من قوله، وأخرجه عنه ابن حجر في «تغليق التعليق» (٤/ ١٨٥)، وعلّقه البخاري في «صحيحه» (٦/ ٣١)، والعهدة في هذا الاختلاف على جعفر بن أبي المغيرة، وخالفه مسلم البطين فرواه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس كما سبق، وهو المحفوظ.
= قال ابن منده: «ولم يُتابع عليه جعفر، وليس هو بالقوي في سعيد بن جبير»، وأقره الذهبي في «الميزان» (٢/ ١٤٨)، ثم قال: «قد روى عمار الدهني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كرسيه موضع قدمه، والعرش لا يقدر قدره». فكأنه يشير إلى أن هذه الرواية هي المحفوظة.
وقال الأزهري في «تهذيب اللغة» (١٠/ ٣٣): «والصحيح عن ابن عباس في الكرسي ما رواه الثوري وغيره عن عمار الدهني، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: الكرسي: موضع القدمين، وأما العرش فإنه لا يقدر قدره، وهذه رواية اتفق أهل العلم على صحتها، والذي روي عن ابن عباس في الكرسي أنه العلم، فليس مما يثبته أهل المعرفة بالأخبار».

<<  <   >  >>