للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا المارُّ قيل: هو عُزيرٌ، قاله الجمهور (١)، وهو الذي قال اليهود: إِنَّه ابنُ الله، وهو من علماء بني إسرائيل وصالحيهم، وجاء في بعض الروايات الإسرائيلية أَنَّه حفظَ التوراةَ كلَّها عن ظهر قلب.

وقولُه: {فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ}: أَي: صيَّره ميتًا وأَبقاه ميتًا مئة عامٍ.

{ثُمَّ بَعَثَهُ}؛ أَي: أحياه.

وقولُه: {فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ}: أَي: لم يتغيَّر، وقد مضت عليه مئة عامٍ منذ مات. و {يَتَسَنَّهْ}: فعلٌ مضارع من تسَنَى.

{قَالَ كَمْ لَبِثْتَ}: القائلُ هو الله، أَوْ ملك بأمر الله، والأَولُ أَظهر (٢)، ودلَّ السياقُ على أَنَّه كان على حمارٍ، فأَماته اللهُ وأَمات الحمارَ حتى عريت عظامُه من اللحم وتفرَّقت، فردَّ اللهُ عظامَه وكساها لحمًا، ولهذا قيل له: {وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ}، ودليلًا على قدرته تعالى على إحياء الموتى.

وقوله: {وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا}: أَي: نرفع بعضَها فوق بعضٍ، حتى تعودَ كما كانت، وقُرئ: {كَيْفَ نُنْشِرُهَا} بالراء؛ أي: نُحييها (٣).

وقولُه: {ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا}: أَي: نُغطِّي العظامَ باللحم لتعودَ كما كانت، ويعودَ الحمارُ كما كان صالحًا للركوب والحمل.

فهذه ثلاثُ آياتٍ:

الأُولى: إِحياءُ الرجل بعد أَنْ كان ميتًا مئة سنة.


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٤/ ٥٧٨ - ٥٧٩)، و «المحرر الوجيز» (٢/ ٣٩)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٦٨٧ - ٦٨٨).
(٢) وهو قول الطبري والرازي، واستظهره القرطبي وأبو حيان. ينظر: «تفسير الطبري» (٤/ ٥٩٦)، و «تفسير الرازي» (٧/ ٣٠)، و «تفسير القرطبي» (٣/ ٢٩١)، و «البحر المحيط» (٢/ ٦٣٣).
(٣) ينظر: «غريب القرآن» لابن قتيبة (ص ٩٥).

<<  <   >  >>