للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثانيةُ: بقاءُ طعامِه وشرابِه على حالهما هذه المدَّة الطويلة.

الثالثةُ: إِحياءُ الحمار وإِعادتُه إلى ما كان عليه قبل موته.

وقولُه: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ}: قدرةُ الله على إِحياء الموتى. {قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير (٢٥٩)}}: أَي: أُقِرُّ بكمال قدرةِ الله، وهذا على قراءة مَنْ قرأه فعلًا مضارعًا مبدوءًا بهمزة القطع، وقُرئَ بهمزة الوصل على أَنَّه فعل أَمر، {قَالَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (١)، فأَراه اللهُ في نفسه وفي حماره ما دلَّه على قدرته تعالى في كلِّ شيءٍ، وفي ذلك إِبطالٌ لاستبعادِه إِحياء القريةِ التي قال فيها: {أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}.

{أَوْ} رأيت {كَالَّذِي} الكافُ زائدةٌ {مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} هي بيتُ المقدس، راكبًا على حمار، ومعه سلَّةُ تينٍ وقدحُ عصيرٍ، وهو عزيرٌ {وَهْيَ خَاوِيَةٌ} ساقطةٌ {عَلَى عُرُوشِهَا} سقوفِها لَمَّا خرَّبها بُختنصَّر {قَالَ أَنَّى} كيف {يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} استعظامًا لقدرته تعالى {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ} وأَلبثه {مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} أَحياه ليُريه كيفيةَ ذلك {قَالَ} تعالى له {كَمْ لَبِثْتَ} مكثت هنا؟ {قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} لأَنه نامَ أَوَّلَ النهارِ، فقُبضَ وأُحيي عند الغروب، فظنَّ أنه يوم النوم.

{قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ} التين {وَشَرَابِكَ} العصير {لَمْ يَتَسَنَّهْ} لم يتغيَّر مع طول الزمان، والهاءُ قيل: أَصلٌ من «سانهتُ»، وقيل: للسكت من «سانيتُ».

وفي قراءةٍ بحذفها {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ} كيف هو؟ فرآه ميتًا، وعظامُه بيضٌ تلوحُ، فعلنا ذلك لتعلم {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً} على البعث {لِلنَّاسِ وَانْظُرْ


(١) قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: {أَعْلَمُ} بقطع الألف وضم الميم، وقرأ حمزة والكسائي: {اعْلَمْ} موصولة الألف ساكنة الميم. ينظر: «السبعة في القراءات» (ص ١٨٩)، و «النشر» (٢/ ٢٣١ - ٢٣٢).

<<  <   >  >>