للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه تعالى: {وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاء}: يدلُّ على أنَّ مضاعفةَ الحسناتِ يكون بمشيئتِه -تعالى- تَفضُّلًا منه، ويدلُّ على أنَّ مضاعفةَ الحسناتِ لا ينتهي بسبعمئةٍ، بل يضاعِفُ اللهُ لِمَنْ يشاء أكثرَ من ذلك أضعافًا كثيرةً.

{وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم (٢٦١)}: واسعُ العطاءِ والعلمِ والرحمةِ والقدرةِ، عليمٌ: بكلِّ شيءٍ ومن ذلك عِلمُه بأحوال العاملين ونيَّاتِهم وما يستحقونَه من الثواب، وهو حكيمٌ يضعُ الأشياءَ في مواضعِها.

وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ}: الاسمُ الموصولُ في موضع جرِّ بدلٍ من الموصولِ في قوله: {مَثَلُ الَّذِينَ}، وعلى هذا تكونُ هذه الجملةُ متصلةً بالتي قبلها في المعنى، ويحتملُ أن تكون مُستأنفةً والموصولُ مبتدأٌ، وخبرُه: {لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون (٢٦٢)} (١).

وقولُه: {ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلَا أَذًى}: معطوفةٌ على صلة الموصولِ فلا محلَّ لهما من الإعراب؛ المعنى: لا يَمُنُّونَ على مَنْ تصدَّقوا أو أنفقُوا عليه بدعوى التفضُّلِ عليه، ولا يؤذونَه بقولٍ ولا فعلٍ؛ فإنَّ ذلك مما يُبطِلُ ثوابَ النفقة؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} [البقرة: ٢٦٤].

وقوله تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى}: يخبرُ -تعالى- أنَّ القولَ السديدَ المعروفَ في الشرع وفي الفطرة السَّليمةِ -وهو القولُ الحسنُ الخالي عن الفُحشِ والبذاءِ والعفوُ عن الإساءة- أفضلُ من الصدقة التي يتبعُها أذىً، مع أَنَّ القولَ المعروفَ والعفوَ عن الإساءةِ ليس فيها بذلُ مالٍ، وفي هذا ترغيبٌ في القولِ المعروفِ والمغفرةِ للمُسيءِ، وذمٌّ للمَنِّ والأذى في الصدقة.


(١) ينظر: «التبيان في إعراب القرآن» (١/ ٢١٣)، و «الدر المصون» (٢/ ٢٨٢ - ٢٨٣).

<<  <   >  >>