للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صلى الله عليه وسلم أَمر أَلَّا يُتصدَّقَ إِلَّا على مَنْ كان مسلمًا؛ فأَنزل اللهُ هذه الآيةَ (١)، وفيها الندبُ إلى الإنفاقِ على أهل الكتابِ وغيرهم من أهل الأديان، وبهذا يظهر وجهُ ورودها بين آيات الإنفاقِ.

ثم ذكر تعالى في هذه الآيةَ ثلاثَ جُملٍ تضمَّنت كلُّ واحدةٍ معنىً من المعاني المتعلِّقةِ بالإنفاق، أَفادت الأُولى: أَنَّ نفعَ الإنفاقِ وثوابَه عائدٌ إلى أَنفُسِ المنفقين، على حدِّ قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ} [الإسراء: ٧]، وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ)} [فصلت: ٤٦].

وأَفادتِ الجملةُ الثانيةُ: أَنَّ المؤمنين إذا أَنفقوا لا يُنفقون إِلَّا لوجه الله، لا يريدون ممن أَحسنوا إليه جزاءً ولا شكورًا.

وأَفادت الجملةُ الثالثةُ: أَنَّ ما يُنفقه المنفقون ابتغاءَ وجهِ الله يُوفَّى إليهم؛ أي: يُجزون به فيُعطونَ أُجوره كاملةً غير منقوصةٍ وذلك قولُه: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُون (٢٧٢)}.

ثم أَخبر تعالى بأَهمِّ مصارفِ الصدقات؛ وهم الفقراءُ المتعففونَ، فلا يسألون الناسَ، وإن سألوا لم يُلحفوا، لكن يعرفهم أَهلُ الفراسةِ بسيماهم؛ كرثاثةِ ثيابِهم ونحولِ أَبدانهم، قيل: هم فقراءُ المهاجرين، ومنهم أَهلُ الصُّفَّةِ (٢)، ومن تعفُّفهم يحسبهم الجاهلُ أَغنياءَ من التعفُّفِ، وقد أَحصرهم الفقرُ والجهادُ في سبيل الله عن التكسُّب، فلا يستطيعون ضربًا في الأرض ابتغاءَ فضلِ الله. ثم رغَّب في الإنفاق فقال: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيم (٢٧٣)}؛ فإنه إذا استحضر المؤمنُ أَنَّ اللهَ يعلم ما يُنفقه ابتغاءَ وجه الله كان ذلك من أَعظمِ الحوافز له إلى الإنفاق؛ ولهذا رغَّبَ تعالى في كثرةِ الإنفاقِ، فأثنى على المنفقين


(١) ينظر: «أسباب النزول» (ص ٨٩)، و «العجاب» (١/ ٦٢٨).
(٢) ينظر: «تفسير البغوي» (١/ ٣٣٧)، و «زاد المسير» (١/ ٢٤٥)، و «التحرير والتنوير» (٣/ ٧٤).

<<  <   >  >>