للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معلومٍ ووزنٍ معلومٍ إلى أَجلٍ معلومٍ)) (١)، فالدَّينُ تارةً يكون الثمنَ وتارةً يكون المثمَّنَ؛ أي: المبيع، ولَمَّا كان الدَّينُ المؤجَّلُ عرضةً للاختلاف فيه؛ في مِقداره أو نوعِه أو أَجلِه؛ أَمرَ اللهُ المؤمنين في هذه الآية بالكتابة والإشهاد؛ فقال تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}، بحفظ الحقوقِ وقطعِ النزاع، وأَمر تعالى الكاتبَ بالكتابة بالعدل، ونهاهُ عن الامتناع عن الكتابة، وهو قولُه تعالى: {وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ}؛ أَي: وليكتب بين الدَّائن والمدينِ بالعدل في كتابه، فلا يُظلَمُ الدائنُ بالنقص من الحقِّ الذي له، ولا يُظلَمُ المدينُ بالزيادة على الحقِّ الذي عليه، وعلى مَنْ علَّمه اللهُ الكتابةَ أَلَّا يمتنعَ إذا دعاه المتداينان إلى الكتابة بينهما؛ شكرًا لله على ما أَنعم به من تعليمه الكتابةَ، وهذا معنى قولِه: {وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ}، ثم أَكَّد سبحانه أَمرَ الكاتبِ أَنْ يكتب، وأَمر أَنْ يُملي على الكاتب مَنْ عليه الحق وهو المدين؛ فقال تعالى: {فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ}.

ثم قال تعالى: {وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا}: وهذا الخطابُ للمملي الذي عليه الحقُّ أمرًا له بتقوى الله ونهيًا عن أَنْ يبخسَ من الحقِّ شيئًا فيما يُمليه؛ أَي: ينقص من الحقِّ شيئًا. وقولُه تعالى: {فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا}: أَي: لا يُحسن التصرفَ؛ فقد يُقِرُّ بما لا يَلزمُه، أو ضعيفًا؛ كصبيٍّ، أو لا يستطيع أَنْ يُملَّ هو نفسه؛ لخرسٍ أَوْ غيره؛ {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ}؛ أَي: فليكن الإملاءُ على الكاتب من ولي المدين، وعلى الولي أَنْ يكون إِملاؤه بالعدل، لا يزيدُ في الدَّين ولا ينقصُ منه.

وقولُه تعالى: {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ}: يعني: اطلبوا شهيدين من رجالكم أَيها المؤمنون يشهدان على إقرار مَنْ عليه الحقُّ عند كتابة العقدِ، وهذا هو الطريقُ الثاني لإثبات الحقِّ وحفظِه وقطعِ النزاعِ؛ وهو استشهادُ شاهدين.


(١) أخرجه البخاري (٢٢٤٠)، ومسلم (١٦٠٤)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <   >  >>