وقولُه: {أَنْ تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}: تعليلٌ لاعتبار العدد في المرأتين. وقولُه:{تَضِلَّ}: أَي: تنسى فتُذكِّرَها الأُخرى ما نسيت من الشهادة، وأَبهمَ تعالى كلًّا من التي ضلَّت والتي ذَكَّرت، فصار كلٌّ منهما مُذَكِّرةً ومذكَّرةً؛ لاحتمال وقوعِ النسيان من كلِّ واحدةٍ منهما، مما يجعلها محتاجةً إلى التذكير بما نسيت.
وقولُه تعالى:{وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ}: نهيٌ من الله للشهود عن الامتناع عن تحمُّلِ الشهادةِ أَوْ أَدائها إذا دُعوا إلى ذلك، والإجابةُ لتحمُّلِ الشهادةِ مُستحبَّةٌ، وقيل: فرضُ كفايةٍ، وقيل: مُتعيِّنةٌ على مَنْ دُعي (١)، والإجابةُ لأَدائها واجبةٌ؛ لأَنَّ الشهادةَ أَمانةٌ، ولتوقُّفِ ثبوتِ الحقِّ وأَدائه عليها. ثم نهى تعالى المتداينَيْن عن السآمة من كتابة الدَّينِ صغيرًا أو كبيرًا؛ أي: قليلًا كان الدينُ أو كثيرًا، فقال تعالى:{وَلَا تَسْأَمُوْاْ أَنْ تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ}.
وقولُه تعالى:{ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ}: اسمُ الإشارةِ راجعٌ إلى ما تقدَّم من الأَمر بالكتابة والإشهاد. {أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ}: أَي: أَعدلُ؛ لأَنه من القِسط الذي أَمر اللهُ به. والقولُ الثاني: أَي: أَحرى أَنْ يقومَ الشهداءُ بالشهادة على وجهها. {وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ}: أَي: أَقرب إلى عدم وقوعِ الرَّيبِ في قلوبكم في شأن الدَّين في نوعِه أَوْ قدرِه أَوْ أَجلِه.
(١) ينظر: «أحكام القرآن» للجصاص (٢/ ٢٥٥)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (١/ ٣٣٨)، و «أحكام القرآن» لإلكيا الهراسي (١/ ٢٥٨ - ٢٥٩)، و «المغني» لابن قدامة (١٤/ ١٢٤ - ١٢٥).