للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه تعالى: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً}: استثناءٌ من الأَمر بالكتابة في قوله: {فَاكْتُبُوهُ}.

وقولُه: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً}: أَي: إِلَّا أَنْ تكون المعاملةُ تجارةً حاضرةً بحضور العوضين؛ لاستغنائهما عن الأَجل. {تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ}: بتبادل الثمنِ والمثمَّنِ في وقت العقدِ.

وقولُه: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا}: أي: فلا إِثمَ عليكم في ترك كتابةِ المبايعةِ لبعد أَسباب النزاع. ثم قال تعالى: {وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ}: فأَذن بترك الكتابةِ في التجارة الحاضرةِ وأَمرَ بالإِشهادِ، وقد اختلف العلماءُ في حُكمه؛ فذهب الجمهورُ إلى أنه يُستحَبُّ، واستدلوا على صرف الأَمر عن الوجوب بأَنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم اشترى من أَعرابي فرسًا ولم يُشهد (١)، وباع


(١) أخرجه أحمد (٢١٨٨٣)، وأبو داود (٣٦٠٧)، والنسائي (٤٦٤٧)، والحاكم (٢١٨٧) من طريق الزهري، عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه، وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسًا من أعرابي، فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه، فنادى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت مبتاعًا هذا الفرس وإلا بعته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي؛ فقال: (أو ليس قد ابتعته منك؟) فقال الأعرابي: لا، والله ما بعتكه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بلى قد ابتعته منك))، فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدًا، فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: ((بم تشهد؟))؛ فقال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين.
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ورجاله باتفاق الشيخين ثقات ولم يخرجاه، وعمارة بن خزيمة سمع هذا الحديث من أبيه أيضًا».
وقال ابن كثير في «تحفة الطالب» (١٨٤): «إسناده صحيح، حجة»، وصححه: ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (٥/ ٧٨)، والألباني في «الإرواء» (١٢٨٦).

<<  <   >  >>