للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم (٢٨٢)}: إخبارٌ من الله بإحاطة علمِه بكلِّ شيءٍ، فتدلُّ الآيةُ أَنَّ كلَّ ما يعلمُه العبادُ من العلوم الكونيةِ والشرعيةِ فهو من علمه بتعليمهم.

وقولُه تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ}: هذا مُتعلِّقٌ بقوله تعالى في الآية السابقة: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}، وبقولُه: {وَلَا تَسْأَمُوْاْ أَنْ تَكْتُبُوْهُ}: يُبيِّنُ تعالى ما يحفظُ به الحقُّ إذا لم يوجد كاتبٌ؛ وهو الرَّهنُ، وجَمعُ الرَّهنِ: رِهانٌ ورُهونٌ؛ ولهذا قال تعالى: {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ}، وخصَّ هذا الحكم بالسفر؛ لأَنَّه مَظنَّةٌ لعدم الكاتبِ. وقيَّدَ الرَّهنَ بالقبض؛ لأَنَّ التوثقة لا تتمُّ إِلَّا به، وذلك إذا لم توجد الثقةُ بين المتداينين، فإِن تحقَّقت الثقةُ بينهما لم يجب على المدين أَنْ يوثِّقَ الدَّينَ برهنٍ، لكن يجب عليه أَنْ يؤدِّي الحقَّ الذي عليه فلا جحدَ ولا مطلَ، ولهذا قال تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}، والأَمانةُ: هي الحقُّ الذي على المدين، والذي اؤتمنَ: هو الذي عليه الحقُّ، أَمِنه صاحبُه الدائن.

وقولُه: {وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ}: خطابٌ للذي اؤتمن؛ وهو المدينُ الذي عليه الحقُّ، عليه أَنْ يتَّقي اللهَ في الأَمانة؛ وهي: حقُّ الدائنِ الذي لديه، فلا يجحدُه ولا شيئًا منه، ولا يمطلُ، بل يُؤدِّيه للذي ائتمنه؛ وهو الدائنُ صاحبُ الحقِّ.

وقولُه: {وَلَا تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ}: نهيٌ للشهداء عن كتمان الشهادةِ، ثم عظَّم تعالى كتمانَ الشهادة فقال: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}، وأَضافَ الإِثمَ إلى القلب؛ لأَنَّ الكتمانَ يتعلَّقُ بالعلم الذي في القلب (١).

وقولُه: {وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم (٢٨٣)}: تهديدٌ لمن يكتمُ الشهادةَ بأَنَّ اللهَ به عليمٌ وسيجزيه بعملِه، وكتمانُ الشهادةِ هو من الضِّرار الذي نهي عنه في قولِه: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ}، بل هو من أَعظم الضِّرار.


(١) ينظر: «تفسير النسفي» (١/ ٢٣١)، و «تفسير ابن جزي» (١/ ١٤١)، و «البحر المحيط» (٢/ ٧٤٦).

<<  <   >  >>