للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو قويٌّ؛ لظاهر الأَمرِ، إِلَّا في المحقِّرات؛ كالصُّرَّة من البقل وعودِ السواك، ونحوهما.

وقولُه تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ}: نهيٌ عن مُضارَّة المتداينين للكاتب والشهيدِ، وعلى هذا: الكاتبُ والشهيدُ نائبُ فاعلٍ، ونهيٌ للكاتب والشهيدِ عن مُضارَّةِ المتداينين، وعلى هذا: فالكاتبُ والشهيدُ فاعلٌ، واللفظُ يحتمل الصورتين؛ لأَنَّ الفعلَ المضعَّفَ يُضار لا تظهر عليه الحركةُ إِلَّا مع فكِّ الإدغامِ، والتقديرُ في الصورة الأولى: «ولا يضارَر»، بفتح الراءِ الأول وسكونِ الثانية، مبنيٌّ للمفعول، والتقديرُ في الصورة الثانية: «ولا يضارِر»، بكسر الراءِ الأولى وسكونِ الثانية، مبنيًّا للمعلوم (١).

وقولُه تعالى: {وَإِنْ تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ}: يعني: إن تفعلوا المضارة فإِنَّ فعلَكم ذلك فسوقٌ بكم. وقولُه: {وَاتَّقُواْ اللّهَ}: ختمٌ للأحكام السابقةِ بالوصية الجامعةِ، وتأكيدٌ لامتثالِ ما في الآية من الأوامر والنواهي، فإِنَّ امتثالَها من تقوى الله.

وقولُه: {وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ}: جملةٌ مُستأنفةٌ فيها امتنانٌ من الله على المؤمنين بتعليمه إِيَّاهم كلَّ ما عَلموه وما سيعلمونه، ومن ذلك ما علَّمهم في هذه الآية من أَحكام التجارةِ والمداينةِ، وقد قيل: إِنَّ بين الامتنانِ بالتعليم والوصيةِ بالتقوى تناسبًا؛ وهو أَنَّ التقوى سببٌ للتعليم؛ كقوله تعالى: {يِاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} [الأنفال: ٢٩]، وهذا ظاهرٌ في آية الأنفال دون آيةِ البقرةِ (٢).


(١) ينظر: «مشكل إعراب القرآن» (١/ ١٤٥)، و «البحر المحيط» (٢/ ٧٤٠)، و «الدر المصون» (٢/ ٦٧٥ - ٦٧٦).
(٢) ينظر: «البرهان» للزركشي (٤/ ١٤٣)، و «تيسير اللطيف الرحمن» (ص ١٩٠)، و «التحرير والتنوير» (٣/ ١١٨).

<<  <   >  >>