للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حوسب عليه العبدُ من ذنوبه» (١)، ولما نزلت هذه الآيةُ شقَّ ذلك على أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِمَا يعلمون من أنَّ هواجسَ النفوسِ والخواطر التي تَرِدُ على القلب ليست بإرادةِ الإنسان ولا يستطيع دفعَها ولا التحرُّزَ منها فجاؤوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْكُونَ ما يَجدُون من المشقَّة في هذا التكليفِ، فروى مسلمٌ في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: «لما نزلتْ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم {لِلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير (٢٨٤)} قال: فاشتدَّ ذلك على أصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأتَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الرُّكَبِ فقالوا: أيْ رسولَ اللهِ، كُلِّفْنَا من الأعمالِ ما نطيقُ، الصلاةَ والصيامَ والجهادَ والصدقةَ، وَقَدِ أُنْزِلَتْ عليك هذه الآيةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَتريدون أَنْ تقولوا كما قال أَهلُ الكتابين مِنْ قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير (٢٨٥) … )) إلى آخر الحديث (٢).

وقوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير (٢٨٥)}: ثناءٌ من الله على رسولهِ والمؤمنين بإيمانِهم بالله وملائكته وكتبه وبجميع رسله، وبقولِهم: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير (٢٨٥)}، وقد تضمنَ هذا الإقرارُ السمعَ والطاعةَ لله وسؤالَ المغفرة والإقرارَ بالمصير إليه، فتضمن الإيمانَ باليوم الآخر، فشمل إيمانُهم الأصولَ الخمسة، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر.


(١) «تفسير الطبري» (٦/ ١١٨) ط. شاكر، و (٥/ ١٤٣ - ١٤٤) ط. هجر.
(٢) صحيح مسلم (١٢٥).

<<  <   >  >>