للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى الماء الجاري، والسياق والتركيب يُعيِّنُ أحدَ المعنيين، إذًا: فالأنهار في الآية هي أنواع الأشربة من الماء واللَّبن والخمر والعسل وغيرها.

وقولُه: (وإسنادُ الجري إليه - أي: إلى النهرِ - مجازٌ): جعله من قَبيل المجاز العقلي، والأظهر أن المجاز في كلمة {الْأَنْهَارُ} فيكون مِنْ المجاز المرسل؛ كما تقدم.

وقولُه: (أُطعمُوا من تلكَ الجناتِ): يعني أُوتي لهم بطعامٍ من ثمار الجنة، و (مِنْ) في قوله: {مِنْهَا} ابتدائية، وفي قوله: {مِنْ ثَمَرَةٍ} بيانية، و {رِزْقًا} مفعولٌ ثانٍ لرُزقوا.

وقولُه: (مثلَ ما): يريد أنَّ قولهم: {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} مثلَه لا عينه.

وقولُه: (قبلَه في الجنة): يريد أن المعنى أن الذي رُزقوه من قبلُ هو من رزق الجنة، وهذا أحد القولين في الآية (١)، وهو الصواب، وقيل: المراد: بما رُزقوه من قبلُ في الدنيا، واختاره ابن جرير (٢)؛ لقوله تعالى: {كُلَّمَا رُزِقُوا} فيدخل فيه أول رزقٍ يُرزقونه في الجنة، والصواب: هو القول الأول؛ لأن رزق الجنة لا يشبه رزقَ الدنيا، وإن كان يوافقُه في الاسم، ولقوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}، وهذا مختصٌّ بثمار الجنة (٣).

وقولُه: (جِيئوا بالرزقِ): هذا معنى {أُتُوا بِهِ}. وقوله تعالى: {مُتَشَابِهًا} حالٌ من الرزق، ومعنى {مُتَشَابِهًا} أي: يشبه بعضه بعضًا فاللون واحد والطعم مختلف.


(١) وهو قول يحيى بن أبي كثير، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود. ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٤٠٩ - ٤١٠).
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٤١٠).
(٣) ينظر الخلاف وذكر الحجج في: «حادي الأرواح» لابن القيم (٣٥٨ - ٣٦٢)، وكأن ابن القيم يميل لما ذكره شيخنا؛ فقد عقب على حجج الطبري ولم يصرح بشيء.

<<  <   >  >>