حججت وقلت قد حجت جنان ... فيجمعني وإياها المسير
وقد أرسل إليها أبو نواس حين عاد من حجه بهذه الأبيات:
إلهنا ما أعدلك ... مليك كل من ملك
لبيك قد لبيت لك ... لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك ... والليل لما أن حلك
والسابحات في الفلك ... على مجاري المنسلك
ما خاب عبد أملك ... أنت له حيث سلك
لولاك يا رب هلك ... كل نبي وملك
وكل من أهل لك ... سبح أو لبى فلك
يا مخطئاً ما أغفلك ... عجل وبادر أجلك
واختم بخير عملك ... لبيك إن الملك لك
والحمد والنعمة لك ... والعز لا شريك لك
وقيل: كانت جنان قد شهدت عرساً في جوار أبي نواس فانصرفت منه وهو جالس، فلما رآها أنشد بديهاً:
شهدت جلوة العروس جنان ... فاستمالت بحسنها النظاره
حسبوها العروس حين رأوها ... فإليها دون العروس الإشاره
وغضبت يوماً جنان من كلام كلمها به، فأرسل يعتذر إليها، فقالت للرسول: قل له لا برح الهجران ربعك ولا بلغت أملك من أحبتك، فرجع الرسول إليه فسأل عن جوابها فلم يخبره فقال:
فديتك فيم عتبك من كلام ... نطقت به على وجه جميل
وقولك للرسول عليك غيري ... فليس إلى التواصل من سبيل
فقد جاء الرسول له انكسار ... وحال ما عليه من قبول
ولو ردت جنان مرد خير ... تبين ذاك في وجه الرسول
قيل: ولم تكن جنان تحبه أولاً، فما عاتبها به حتى استمالها بصحة حبه لها فصارت تحبه بعد بغضها له قوله:
جنان إن جدت يا مناي بما ... آمل لم تقطر السماء دما
وإن تمادى ولا تماديت في ... منعك أصبح في قفرة رمما
علقت من لو أتى على أنفس ... الماضيين والغابرين ما ندما
لو نظرت عينه إلى حجر ... ولد فيه فتوره سقما
وقال الجماز: كنت عند أبي نواس جالساً إذ مرت بنا امرأة ممن يداخل الثقفيين فسألها عن جنان وألحف في المسألة فاستقصى، فأخبرته خبرها وقالت: قد سمعتها تقول لصاحبة لها من غير أن تعلم أني أسمع، ويحك قد آذاني هذا الفتى وأبرمني، وأحرج صدري وضيق علي الطرق بحدة نظره وتهتكه فقد لهج قلبي بذكره والفكر فيه من كثرة فعله لذلك حتى رحمته، ثم التفتت فأمسكت عن الكلام ففرح أبو نواس بذلك فلما قامت المرأة أنشأ يقول:
يا ذا الذي عن جنان ظل يخبرنا ... بالله قل وأعد يا طيب الخبر