قد حسن الله في عيني ما صنعت ... حتى أرى حسنا ما ليس بالحسن
ولما انتهى من غنائه اندفعت نهار فغنت كأنها تباين وإنما قصدها إجابته عن معنى ما عرض لها به:
تعتل بالشغل عنا ما تلم بنا ... والشغل للقلب ليس الشغل للبدن
ففطنت أم جعفر أنها خاطبت بما في نفسها فضحكت وقالت: ما سمعنا بأملح مما صنعتما ووهبتها له: ومنها ما قاله أبو العتاهية عن نفسه قال: لما جلس الأمين بالخلافة أنشدت أبياتا هي:
يا ابن عم النبي خير البرية ... إنما أنت رحمة للرعيه
يا أمين الهدى الأمين المصفى ... بلباب الخلافة الهاشميه
لك نفس أمارة لك بالخي ... ر وكف بالمكرمات نديه
أن نفسا تحملت منك ما حم ... لت للمسلمين نفس قويه
وبعد فراغه من الأبيات ذهب لأم جعفر فقالت له: أنشدني ما أنشدت أمير المؤمنين، فأنشدها فقالت: أين هذا من مدائحك في المهدي والرشيد؟ فغضب وقال لها: أنشدت أمير المؤمنين ما يستملح وأنا القائل فيه:
يا عمود الإسلام خير عمود ... والذي صيغ من حياء وجود
والذي فيه ما يسلى ذوي الأح ... زان من كل هالك مفقود
والأمين المهذب الهاشمي ال ... قرم محض الآباء محض الجدود
إن يوما أراك فيه ليوم ... طلعت شمسه بسعد السعود
فقالت لي: الآن وفيت المديح حقه، وأمرت لي بشعرت آلاف درهم· قال محمد بن الفضل: كان المأمون يوجه إلى أم جعفر زبيدة في كل سنة مائة ألف دينار جددا، وألف ألف درهم فكانت تعطي أبا العتاهية منها مائة دينار وألف درهم فأغفلته سنة، فرفع رقعة إلى محمد بن الفضل وقال له: ضعها بين يديها فوضعه، وكان فيها:
خبروني أن في ضرب السنه ... جددا بيضا وصفرا حسنه
سككا قد أحدثت لم أرها ... مثل ما كانت أرى كل سنة
فقالت: إنا والله أغفلناه فوجهت إليه بوظيفة على يدي ابن الفضل -المذكور- ولها أخبار كثيرة خلاف هذه وكانت وفاتها ببغداد في جمادى الأولى سنة ٢١٦ هجرية رحمها الله تعالى·
[زبيدة القسطنطينية]
يه ابنة أسعد بن إسماعيل بن إبراهيم بن حمزة الحنيفية ذكرها المرادي من جملة مشاهير أبناء القرن الثاني عشر للهجرة وقال: هي أم الفطنة الشاعرة المشهورة وصاحبة الديوان، الأديبة الفاضلة، الكاملة الحاذقة· ولدت بالقسطنطينية ونشأت بكنف والدها شيخ الإسلام المولى أسعد مفتي الدولة العثمانية وقرأت القرآن واشتغلت بأخذ الفنون وقرأت الفقه واللغة والآداب ونظمت الشعر الفارسي والتركي، وتعلقت على الأدب، واشتهر ذكرها وشاع صيتها وكانت تخترع كل معنى مبتكر تحاربه الألباب، وامتدحت سلاطين وقتها ووزرائه، واشتغلت بمطالعة الكتب واتصل بها المولى الرئيس ودرويش عبد الله نقيب الأشراف وقائد العساكر، وتنافس الناس بشعرها وتداولته الأيدي - وكانت وفاتها في ذي القعدة سنة ١١٩٤م·