بخ بخ عتبة من مثلكم ... قد قتل المهدي فيكم قتيل
فتغرغرت عيناها وفاض دمعها وصادفت المدهي عند الخيزران فقال: ما لعتبة تبكي؟ قالوا له: رأت أبا العتاهية مجلودا وقال لها: كيت كيت، فأمر له بخمسين ألف درهم ففرقها أبو العتاهية على من بالباب فكتب صاحب الخبر بذلك فوجه إليه: ما حملك علي إن أكرمتك بكرامة فقسمتها؟ فقال: ما كنت لآكل ثمن من أحببت، فوجه إليه بخمسين ألفا أخرى وحلف عليه أن لا يفرقها فأخذها وانصرف. قال المبرد: أهدى أبو العتاهية إلى المهدي في يوم نوروز برنية صينية فيها ثوب ممسك وعليه سطران مكتوبان بالغالية:
نفسي بشيء من الدنيا معلقة ... الله والقائم المهدي يكفيها
إني لأيأس منها ثم يطمعني ... فيها احتقارك للدنيا وما فيها
فهم أن يدفع إليه عتبة فقالت لك: يا أمير المؤمنين، أمع حرمتي وخدمتي تدفعني إلى بائع جرار يكتسب بالشعر فبعث إليه أما عتبة فلا سبيل لك إليها وقد أمرنا لك بملء البرنية مالا فخرجت عتبة وهو يناظر الكتاب ويقول: إنما أمر لي بدنانير وهو يقولون بدراهم فقالت: أما لو كنت عائقا لعتبة لما اشتغلت بتمييز العين من الورق، وكان أبو العتاهية بائع جرار وكان أقدر الناس على وزن الكلام، وكان حلو الألفاظ، ومن مختار شعره في عتبة:
بالله يا حلوة العينين زوريني ... قبل الممات وإلا فاستزيريني
هذان أمران فاختاري أحبهما ... إليك أولا فداعي الموت يدعوني
إن شئت موتا فأنت الدهر مالكة ... روحي وإن شئت أن أحيا فأحييني
إني لأعجب من حب يقربني ... ممن يباعدني عنه ويقصيني
يا أهل ودي إني قد لطفت بكم ... في الحب جهدي ولكن لا تبالوني
الحمد لله قد كنا نظنكم ... من ارحم الناس طرا بالمساكين
أما الكثير فلا أرجوه منك ولو ... أطمعني في قليل منك يكفيني
ومن مختار شعره فيها قوله:
ألا يا عتب يا قمر الرصافة ... ويا ذات الملاحة والنظافة
رزقت مودتي ورزقت عطفي ... ولم أرزق فديتك منك رأفة
وصرت من الهوى دنفا سقيما ... صريعا كالصريع من السلافة
أظل إذا رأيتك مستكينا ... كأنك قد خلقت علي آفة
ومات أبو العتاهية ولم ينل من عتبة أربا مع كونها كانت مغرمة به والذي يمنعها عن الاقتران به سفالة حسبه.
[العجفاء المغنية]
كانت ذات صوت غرد ولا تغريد البلابل جبت إليها الأسماع، ومالت إليه القلوب، وتحدثت بحسن صناعتها الركبان في كل مكان، وبلغت في زمن صباها ما لم ينله غيرها من القيان، وفي آخر مدتها رماها الزمان بكلكله وافتقرت وأقامت تعلم جواري الأمراء صنعة الغناء وأخيرا انقطعت في دار مسلم بن يحيى مولى بني زهرة وبقيت عنده إلى أن اشتراها الأمير عبد الرحمن بن معاوية الأموي فبقيت عنده إلى أن ماتت.
ومن النوادر