به سألت ربها في خلافة السيد محمد الموت فتوفيت ليلة الجمعة النصف العاشر من شهر شوال سنة ٦١٣ هـ ودفنت في القبة المباركة.
[رابعة ابنة إسماعيل البصرية العدوية مولاة آل عتيك]
كانت -رضي الله عنها- كثيرة البكاء والحزن، وكانت إذا سمعت ذكر النار غشي عليها زمانا، وكانت تقول: استغفارنا يحتاج إلى استغفار وكانت ترد ما أعطاه الناس لها وتقول: ما لي حاجة بالدنيا وكانت بعد أن بلغت ثمانين سنة كأنها الخلال البالي تكاد تسقط إذا مشت، وكان كفنها لم يزل موضوعا أمامها، وكان موضع سجودها كهيئة الماء المستنقع من دموعها، وسمعت -رضي الله عنها- سفيان الثوري يقول: وا حزناه فقالت: واقلة حزناه ولو كنت حزينا ما هناك العيش. ومناقبها كثيرة -رضي الله عنها- ومشهورة. وجاء في ترجمتها لابن خلكان: أنها كانت من أعيان عصرها وأخبارها في الصلاح والعبادة مشهورة، وذكر أبو القاسم القشيري في الرسالة أنها كانت تقول في مناجاتها: "إلهي تحرق بالنار قلبا يحبك". فهتف بها مرة هاتف ما كنا نفعل هذا فلا تظني بنا ظن السوء.
وقال بعضهم: كنت أهدي لرابعة العدوية فرأيتها في المنام تقول: هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمرة بمناديل من نور، وكانت تقول: "ما ظهر من أعمالي لا أعده شيئا". ومن وصاياها: "اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم".
وأورد لها الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب عوارف المعارف هذين البيتين:
إني جعلتك في الفؤاد محدثي ... وأبحث جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانس ... وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
وكانت وفاتها في سنة ١٣٥ هـ ذكره ابن الجوزي في "شذور العقود". وقال غيره سنة ١٨٥ هـ رحمها الله تعالى. وقبرها يزار وهو بظاهر القدس من شرقيه على رأس جبل يسمى الطور. وذكر ابن الجوزي في كتاب "صفوة الصفوة" في ترجمة رابعة المذكورة بإسناد له متصل إلى عبدة بنت أبي شوال.
قال ابن الجوزي: وكانت من خيار إماء الله تعالى، وكانت تخدم رابعة. قالت: كانت رابعة تصلي الليل كله فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر فكنت أسمعها تقول: إذا وثبت من مرقدها وهي فزعة: "يا نفس كم تنامين وإلى كم تنامين يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور".
وكان ذلك دأبها دهرها حتى ماتت ولما حضرتها الوفاة دعتني وقالت: "يا عبدة لا تؤذني بموتي أحدا وكفنيني في جبتي هذه" وهي جبة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون قالت: فكفنتها في تلك الجبة وفي خمار من صوف كانت تلبسه ثم رأيتها بعد ذلك بسنة أو نحوها في منامي عليها حلة استبرق خضراء وخمار من سندس أخضر لم أر شيئا قط أحسن منه فقلت: يا رابعة، ما فعلت بالجبة التي كفناك فيها والخمار الصوف؟ قالت: "إن الله نزعه عني وأبدلت به ما ترينه على فطويت أكفاني وختم عليها ورفعت في عليين ليكمل لي بها ثوابها ويم القيامة".
فقلت لها: لهذا كنت تعملين أيام الدنيا. فقالت: "وما هدا عندما رأيت من كرامة الله عز وجل لأوليائه" فقلت لها: ما فعلت عبيدة بنت أبي كلاب. فقالت: "هيهات هيهات سبقتنا والله إلى الدرجات العلا" فقلت: وبم وقد كنت عند الناس أكبر منها. قالت: إنها لم تكن تبالي على أي حال أصبحت من الدنيا أو أمست فقلت لها: فما فعل بشر بن منصور قالت: "بخ بخ، أعطي