أبيها وكانت من البشاشة على جانب عظيم ومحبوبة عند الجميع, وكان لها من الأمل والرغبة الذين لا بد منهما لنمو القوى العقلية نمواً تاماً ما حملها على مداومة اجتهادها في سبيل المطالعة والدرس, وكانت مولعة بالروايات فأتحفت قومها بروايات كثيرة النفع مفيدة, وكانت كل رواياتها أدبية مؤثرة فاكتسبت رضا العموم ومديحهم وقد طبعت كتاباً في ١٤ مجلداً في لندن سنة ١٨٢٥ م ثم طبعته ثانية في ١٨ مجلداً سنة ١٨٣٢ م, وفي ٩ مجلدات سنة ١٨٤٨ م, وفي ١٠ مجلدات سنة ١٨٥٦ م وكرر طبعه في الولايات المتحدة الأمريكانية.
[ماجدة القرشية]
ذكر في طبقات الشعراني أنها كانت من المتعبدات الصالحات الزاهدات القائمات الليل الصائمات النهار. وكانت -رضي الله عنها- تقول ما حركة تسمع ولا قدم توضع إلا ظننت أني أموت في أثرها. وكانت تقول: يا لها من عقول ما أنقصها سكان دار أوذنوا بالنقلة وهم حيارى يركضون في المهلة كأن المراد غيرهم والتأذين ليس لهم ولا عنى بالأمر سواهم, وكانت تقول لم ينل المطيعون ما نالوا من حلول الجنة ورضا الرحمن إلا بتعب الأبدان.
[ماريا تريزيا ابنة كارلوس الرابع إمبراطور النمسا]
ولدت سنة ١٧١٧ م وتزوجت بدوق توسكا سنة ١٧٢٦ م, ولما توفي والدها سنة ١٧٤٠ م ورثت الملك عنه واشترك زوجها فيه وقد قامت بعبء هذا المنصب الخطير والبلاد تئن تحت وطأة الدين المتثاقل والخسائر الفاحشة التي لحقتها بسبب الحروب مع روسيا وسكرينا وغيرها من دول أوروبا, وزادت مهاجمات هذه الدول مع وفاة والدها واستولى كل منها على مقاطعة من النمسا بدعوى انقطاع المذكورة من عائلة أبيها, فاستولى "فريدريك الكبير" ملك "بروسيا" على "سيسيليا" وهي أخصب مقاطعات المملكة النمساوية وأغناها, واستولت إسبانيا ونابولي على أملاكها في إيطاليا فقطعت أوصال مملكتها وتركتها اسماً بلا مسمى, غير أن ذلك لم يوهن عزم الملكة "ماريا تريزيا" التي فاقت الرجال حكمة ودراية فجمعت الأموال وحشدت الجنود, ودافعت عن بلادها دفاع اليأس, فانكسرت والتجأت إلى رعاياها المجريين فأنجدوها عن طيبة خاطر.
قيل: إنها جمعتهم في قصرها ودخلت عليهم حاملة ابنها ولي العهد وكان طفلاً وأخذت تخاطبهم باللاتينية وتحثهم على الدفاع والذود عن الوطن وكان جمالها مفرطاً وكلامها عذباً, وفصاحتها تأخذ بمجامع القلوب فسحر المجرمون بها ورقوا لدموعها وجردوا سيوفهم, وعاهدوها على الدفاع إلى الموت. وبمساعدة المجريين تمكنت من عقد هدنة "أكس لاشابل" سنة ١٧٤٨ م بعد حرب سبع سنوات وخسارة كثير من أملاكها, غير أنها تمكنت بذلك من أن سمت زوجها إمبراطور, واضطرت بقية الدول إلى الاعتراف به, ثم صرفت همتها إلى ترقية العلوم والصناعة والزراعة والتجارة, فزادت المكاسب وتحسنت الأحوال, وانتشلت البلاد من ضيقتها المالية, وكانت تسوس البلاد بمساعدة زوجها ووزيرها "كونتز" المشهور ثم تجدد الحرب بينها وبين "فريدريك الكبير" ملك "بروسيا", ودامت سبع سنوات فضعفت البلاد وخسرت ما كانت قد كسبته في زمن السلم, ثم عقب هذه الحرب سلم طويل فعادت إلى ترقية العلوم والصنائع وأدخلت إلى بلادها إصلاحات شتى.
سنة ١٧٦٣ م توفي زوجها فأشركت ابنها يوسف معها في الملك, واشترك مع روسيا وبروسيا في اقتسام بولاندا, افنا لها من ذلك الثلث وأضافت إلى ذلك "غالينسيا" و"لودوميريا", وأخذت من