يرى الروض مسرورا بما قد بدا له ... عناق وضم وارتشاف مقبل
وكتب بها إليها بعد الافتراق لتجيبه على عادتها بمثل ذلك فكتبت إليه قولها:
لعمرك ما سر الرياض بوصلنا ... ولكنه أبدى لنا الغل والحسد
ولا صفق النهر ارتياحا لقربنا ... ولا غرد القمري إلا لما وجد
فلا تحسن الظن الذي أنت أهله ... فما هو في كل المواطن بالرشد
فما خلت هذا الأفق أبدى نجومه ... بأمر سوى كيما يكون لنا رصد
وكتبت حفصة إلى بعض أصحابها:
أزورك أمتزور فإن قلبي ... إلى ما تشتهي أبدا يميل
فثغري مورد عذب زلال ... وفرع ذوائبي ظل ظليل
وقد أملت أن تظمأ وتضحى ... إذا وافى إليك بي المقيل
فعجل بالجواب فما جميل ... إباؤك عن بثينة يا جميل
وقال أبو جعفر بن سعيد: أقسك ما رأيت ولا سمعت بمثل حفصة، ومن بعض ما أجعله دليلا على تصديق عزمي وبر قسمي أني كنت يوما في منزلي مع من أحب أن أخلو معه من الأجواد الكرام على راحة سمحت بها غفلات الأيام، فلم اشعر إلا بالباب يضرب فخرجت جارية تنظر من الضارب فوجدت امرأة فقالت لها: ما تريدين؟ قالت: ادفعي لسيدك هذه الرقعة فجاءت برقعة فيها:
زائر قد أتى بجيد الغزال ... مطلع تحت جنحه للهلال
بلحاظ من سحر بابل صيغت ... ورضاب يفوق بنت الدوالي
يفضح الورد ما حوى منه خد ... وكذا الثغر فاضح للألي
ما ترى ف دخوله بعد إذن ... أو تراه لعارض في انفصال
قال: فعلمت أنها حفصة وقمت مبادر للباب وقابلتها بما يقابل به من يشفع له حسنه وآدابه والغرام به، وتفضله بزيارة من دون طلب في وقت الرغبة في الأنس به وفضلنا ليلة لم يسمح لنا بمثلها الزمان ولا لقيصر ولا لكسرى أنوشروان، وبقيت حفصة محافظة على وداد أبي جعفر إلى أن نكب وقتل. وقد رثته بمرات كثيرة لم ير مثلها، ولكون قتل أبي سعيد كان من أجلها لم تتمكن من نشرها، وبقيت بعده مدة طويلة وهي حزينة عليه لا تلتفت إلى السمرات ولا تألف الاجتماعات حتى دعاها داعي المنون فلبت وهي ذات شجون
[حليمة الحضرية]
كانت من نساء بني عبس الموصوفات بالعقل والحكمة ولها شعر رائق وروى لها الزبير بن بكار من أبيات رثاء في زوجها:
يقر لعيني أن أرى لمكانه ... ذرى عقدات الأجرع المتفاود
وأن أرد الماء الذي شربت به ... سليمى وإن مل السرى كل واحد
وألصق أحشائي ببرد ترابه ... وإن كان مخلوطا بسم الأساود
لقد كنت أخشى لو تمليت خشيتي ... عليك الليالي مرها وانفتالها