ثم سار إلى الكاهنة وحاربها عند نهر "مسكيني" على مرحلة من "باغابة" و"محانة"، فانكسر المسلمون أمامها وقتلت منهم جما غفيرا، وأسرت جماعة منهم: خالد بن يزيد القيسي، فأطلقتهم جميعا ماعدا خالد بن يزيد أبقته عندها واتخذته لها ولدا لشجاعته وشرفه. ففارق حسان أفريقيا وكتب إلى عبد الملك أن يمده بالجيوش، وأقام بعمل برقة خمس سنوات ينتظر ورود الإفادة.
وفي هذه المدة ملكت "دهيا" افريقيا كلها وبعد الخمس سنوات سير عبد الملك إلى حسان الجنود والأموال، وأمره أن يناجز "دهيا" الكاهنة، فأرسل حسان رسولا سرا إلى خالد بن يزيد، فكتب إليه خالد يعرفه تفرق البربر بظلم الكاهنة ويأمره بالسرعة فسار حسان وعلمت الكاهنة فقالت: إن العرب يريدون البلاد والذهب والفضة ونحن إنما نريد المزارع والمراعي ولا أرى إلا أن أخرب أفريقيا حتى ييأسوا منها، قم فرقت أصحابها فخربوا البلاد وهدموا الحصون ونهبوا الأموال فلما قرب حسان من البلاد لقيه جم من أهلها من الروم يشكون إليه ظلم الكاهنة فسار إلى "فانيس" فلقيه أهلها بالأموال والطاعة، فجعل فيها عاملا، فسار على قعصة فأطاعه من بها، واستولى عليها وعلى "قسطيلة" ونفذ أمره وبلغ الكاهنة قدومه، فأحضرت ولديها وخالد بن يزيد وقالت لهم: إني مقتولة هذه المرة فامضوا إلىحسان وخذوا لأنفسكم منه آمانا. فساروا إليه وبقوا معه، وسار حسان نحوها فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا فانهزم البربر وقتلوا قتلا ذريعا، وأدركت الكاهنة فقتلت، ثم استأمن البربر إلى حسلان فأمنهم وشرط عليهم أن يكون منهم عسكر مع المسلمين عدتهم اثنا عشر ألفا فأجابوا فجعل على هذا العسكر أحب ابني الكاهنة المذكورين.
[ديدرون ابنة الملك بقلوس]
هي ملكة "سورو" زوجة "سيته" كاهن "هركليس" الذي كان أغنى الفينيقيين على بكرة أبيهم وأجملهم خلقا وخلقا ثار أخوها "بكاليون" بزوجها فقتله طمعا في استلاب كنوزه فجزعت عليه "ديدون" جزعا عظيما، ولم تطق بعده المكث في صور ففرت مع أخيها "برقا" وثوم ممن تغيروا على أخيها زاعمة أن زوجها المقتول قد أمرها بالرؤيا أن تبارح صور وكانت قد نقلت خفية على محل اسمه "كرنا" واقع بني صور وصيدا قسما جليلا من أمتعتها وثروتها فركبت من هناك سائرة إلى شمال فينيقية فعاجت بسيرها لجزيرة قبرص، وكان يوم عيد، فرأت على الشاطء ربربا من أجمل بنات الجزيرة مجتمعا هناك للهو والمرح، فاختطف رجالها منهم وأقلعوا حتى إذا بلغوا سواحل "زوجيتا" تجاه جزيرة صقلية، استأذنت "ديدون" ملكها "برياس" في بناء قلعة فأذن لها على شريطة أن تبذل له خراجا فرضيت وبنت هناك قلعة بصرة ومعناه حصن باللغة الفينيقية فحرفه اليونان فسموها "برسا" أي جلد الثور.
ثم اشترت منن ملك "موريطانيا" أرضا أنشأت فيها مدينة قرطاجنة الأفريقية، وذلك سنة ٨٦٠ قبل المسيح وكان "أيارياس" قد شغف بها حبا فخطبها من نفسها ولما لم تسعها مخالفته حرصا على حياة قومها، وكانت مرتبطة مع زوجها المقتول بقسم أن لا تستبدله بآخر، طلبت مهلة ثلاثة أشهر لكي تستعد للزفاف عليه فلباها، ولكنها في نهاية المدة المذكورة علت رابية هناك وطعنت نفسها بخنجر فماتت. فكانت سيرتها موضوعا جميلا لكتبة الإفرنج يبنون عليها رواياتهم المفجعة وقد عثر المتأخرون على تمثلا ل "ديدون" منحوت بيد "كيرين" الشهير. قيل: إنه محفوظ الآن بدار الآثار في لندن.