ألا لا تقل مهلا فقد ذهب المهل ... وما كان من يلحى محبا له عقل
حمى الملك الجبار عني لقاءها ... فمن دونها تخشى المتألف والقتل
فلا خير في حب يخاف وباله ... ولا في حبيب لا يكون له وصل
فوا كبدي إني اشتهرت بحبها ... ولم يك فيما بيننا ساعة بذل
ويا عجبا أني أكاتم حبها ... وقد شاع حتى قطعت دون السبل
فقال معاوية: قد والله فهمت المعنى لأني أراه يشكو الحرمان فالخطب فيه يسير، ثم حج عامئذ للسبب عينه ولما انقضت المناسك دعا بإشراف قريش وشعرائهم وأجزل لهم الصلاة.
فلما أزمع وهب الانصراف قال: إيه يا وهب ما لي أرى يزيد ساخطا عليك في قواريض تأتيه عنك وشعر تنطق به فبدأ أبو دهبل يطيل الاعتذار ويحلف أنه مكذوب عليه فقال معاوية: لا بأس عليك وما يضرك ذلك فأي بنات عمك أحب إليك، قال: فلانة، فقال: قد زوجتك بها وأمهرتها بألفي دينار ووهبتك ألف دينار.
فلما استوفاها قال: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفو عما مضى فإن نطقت ببيت في معنى ما سبق فقد أبحت به دمي وأما ابنة عمي فهي طالق بتاتا فسر معاوية ووعده بإدرار الصلة كل عام وهو لم يقل فيها شعرا ووفى بوعده وبقيت عاتكة مغرمة به إلى أن ماتت.
[عاتكة بنت يزيد بن معاوية]
وأمها أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز، تزوجها عبد الملك بن مروان فهي أم يزيد بن عبد الملك بن مروان وكان يحبها بعبد الملك حبا مفرطا فغضبت عليه مرة وكان بينهما باب محجبة، فأغلقت ذلك الباب فشق غضبها على عبد الملك، وشكا إلى رجل من خاصته يقال له: عمر بن بلال الأسدي فقال: ما لي عندك إن رضيت؟ قال: حكمك فأتى عمر إلى بابها وجعل يتباكى وأرسل إليها السلام، فخرجت إليه حاضنتها ومواليها فقلن: ما لك؟ قال: نزعت إلى عاتكة ورجوتها وقد علمت مكاني من أمير المؤمنين معاوية ومن أبيها بعده قلن: وما لك؟ قال: ابناي لم يكن لي غيرهما قتل أحدهما صاحبه.
[فقال أمير المؤمنين: أنا قاتل الآخر به. فقلت: أنا الولي وقد عفوت قال: لا أعود الناس على هذه العادة، فرجوت أن ينجي الله ابني هذا على يدها، فدخلن عليها فذكرن ذلك لها فقالت: وكيف أصنع مع غضبي عليه وما أظهرت له قلن: إذا والله يقتل فلم يزلن بها حتى دعت بثيابها فلبستها، ثم خرجت نحو الباب، فأقبل حديج الخصي قال: يا أمير المؤمنين، هذه عاتكة قد أقبلت. قال: ويلك، ما تقول قال: قد والله طلعت فأقبلت وسلمت، فلم يرد عليها السلام فقالت: أما والله لولا عمر ما جئت إن أحد بينه تعدى على الآخر فتله فأردت قتل الآخر وهو الولي وقد عفا قال: إن أكره أن أعود الناس على هذه العادة قالت: أنشدك الله يا أميرا لمؤمنين فقد عرفت مكانه من أمير المؤمنين معاوية وقد طرق بابي فلم تزل به حتى أخذت برجله فقبلتها فقال: هو لك ولم يبرحا حتى اصطلحا، ثم راح عمر بن بلال إلى بعد الملك فقال: كيف رأيت قال: رأينا أثرك، فهات حاجتك. قال: مزرعة بعدتها وما فيها، وألف دينا، وفرائض لولدي وأهلي. قال: ذلك لك، ثم اندفع عبد الملك يتمثل بشعر كثير (وإني لأرعى قومها من جلالها) .]
ولعاتكة هذه حكاية مع الشعراء وذلك ما حكاه نصيب قال: إنه خرج هو وكثير والأحوص غب يوم أمطرت فيه السماء فقال: هل لكم في أن نركب جميعا فنسير حتى نأتي العقيق؟ قالوا: نعم، فركبوا أفضل ما عندهم من