يا بدر إنك قد كسيت مشابها ... من وجه المستنير الائح
وأراك تمصح بالمحاق وحسنها ... باق على الأيام ليس ببارح
فضحكت عريب وصفقت وقالت: ما على وجه الأرض أحد يعرف هذا الصوت غيري فلم يقدر أحد من القوم على مساءلتها عنه غيري فسألتها فقالت: أنا أخبركم بقصته ولولا أن صاحب القصة قد مات لما أخبرتكم بها وهو أن أبا محلم وفد بغداد فنزل بقرب دار صالح المسكين في خان هناك فاطلعت أم محمد ابنة صالح يوما فأعجبها جماله ورقته فولعت به وأحبته حبا مفرطا وأرادت التوصل إليه فجعلت لذلك علة بأن وجهت إليه تقترض منه مالا وتعلمه أنها في احتياج وأنها بعدة مدة ترده إليها بعث إليها بعشرة آلاف درهم وحلف أنه لو ملك غيرها لبعث بها إليها فاستحسنت ذلك منه واتصلت المودة بينهما، وكان القرض سببا للوصلة فكان يدخل إلى منزلها ليلا وكنت أنا أني لهم فشربنا ليلة في القمر وجعل أبو محلم ينظر إليه ثم دعا بدواة وقرطاس وكتب:
يا بدر إنك قد كسيت مشابها ... من وجه أم محمد ابنة صالح
والبيت الآخر وقال لي: غني فيه ففعلت واستحسناه وشربنا عليه فقالت أم محمد في آخر المجلس: يا أختي قد نبلت في هذا الشعر إلا أنه سيبقى علي فضيحة إلى آخر الدهر فقال أبو محلم: وأنا أغيره فجعل مكان أم محمد ابنة صالح ذاك المستنير اللائح وغنيته كما غيره وأخذه الناس عني ولو كانت أم محمد حية لما أخبرتكم بالخبر.
وكتبت عريب يوما إلى ابن حامد تستزيره فأرسل إليها إني أخاف على نفسي فكتبت إليه:
إذا كنت تحذر ما تحذر ... وتزعم أنك لا تجسر
فما لي أقيم على صبوتي ... ويوم لقائك لا يقدر
فلما قرأ الرقعة صار إليها من وقته وأرسل إليها يعاتبها في شيء فكتبت إليه تعتذر فلم يقبل فكتبت إليه هذين البيتين:
تبينت عذري وما تعذر ... وأبليت جسمي وما تشعر
ألفت السرور وخليتني ... ودمعي من العين ما يفتر
فلما اطلع على البيتين ذرفت عيناه وسعى إليها مستسمحا ومستجديا عفوها عما وقع منه، وقد تمت أخبار عريب.
[عزة الميلاء]
كانت عزة مولاة للأنصار ومسكنها المدينة وهي أقدم من غنى الغناء الموقع من النساء بالحجاز وماتت قبل جميلة، وكانت من أجمل النساء وجها وأحسنهن جسما، وسميت الميلاء لتمايلها في مشيتها، وكانت ممن أحسن ضربا بعود، وكانت مطبوعة على الغناء لا يعييها أداؤه ولا صنعته ولا تأليفه، وكانت تغني أغاني الصبا من الدائم مثل سيرين وزرنب وخولة والرباب وسلمى ورائقة وكانت رائقة أستاذتها، فلما قدم نشيط وسائب خاثر المدينة غنيا أغاني بالفارسية، فلقنت عزة عنهما نغما وألفت عليه ألحانا عجيبة فهي أول من فتن أهل المدينة بالغناء وحرض نساءهم ورجالهم عليه، وكان مشايخ أهل المدينة إذا ذكروا عزة قالوا: لله درها