أرسلت نفسي على سجيتها ... وقلت ما قلت غير محتشم
فسأل لمن الصنعة فيه فقيل: لقلم الصالحية جارية صالح بن عبد الوهاب فبعث إلى محمد بن عبد الملك الزيات فأحضره فقال: ويلك, من هو صالح بن عبد الوهاب هذا؟ فأخبره به قال: ابعث له فأشخصه هو وجاريته فقدما على الواثق فدخلت قلم فأمرها بالجلوس والغناء فغنت, فاستسحن غناءها, وأمر بابتباعها فقال صالح: أبيعها بمائة ألف دينار وولاية مصر؟ فغضب الواثق من ذلك وردها عليه, ثم غنى بعده زرنب الكبير في مجلس الواثق صوتاً لقلم وهو:
أبت دار الأحبة أن تبينا ... أجدك ما رأيت لها معنياً
تقطع نفسه من حب ليلى ... نفوساً ما أثبن ولا جزينا
فسأل لمن الغناء فقيل: لقلم جارية صالح. فبعث إلى ابن الزيات أن أشخص صالحاً ومعه قلم, فلما أشخصها دخلت على الواثق فأمرها أن تغنيه هذا الصوت فغنته فقال لها: الصنعة فيه لك. قالت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: بارك الله فيك. وبعث إلى صالح فأحضر فقال: أما إذا وقعت الرغبة فيها من أمير المؤمنين فما يجوز أن أملك شيئاً له فيه رغبة, وقد أهديتها إلى أمير المؤمنين فإن من حقها على إذا تناهيت في قضائه أن أصيرها ملكه فبارك الله له فيها فقال له الواثق: قد قبلتها.
وأمر ابن الزيات أن يدفع له خمسة آلاف دينار وسماها احتياطاً فلم يعطه لن الزيات المال ومطله به فوجه صالح إلى قلم من أعلمها ذلك فغنت الواثق وقد اصطبح صوتاً فقال لها: بارك الله فيك وفيمن رباك فقالت: يا سيدي, وما نفع من رباني مني إلا التعب والغرم علي والخروج مني صفراً قال: أولم آمر له بخمسة آلاف دينار قالت: بلى.
ولكن ابن الزيات لم يعطه شيئاً فدعا بخادم من خاصة الخدم ووقع إلى ابن الزيات بحمل خمسة آلاف دينار إليه وخمسة آلاف أخرى معها قال صالح: فصرت مع الخادم إليه بكتاب فقربني.
وقال: أما الخمسة آلاف الأول فخذها فقد حضرت والخمسة الآلاف الأخرى أنا أدفعها إليك بعد جمعة, فقمت, ثم تناساني كأنه لم يعرفني وكتبت إليه كتاباً أقتضيه فبعث إلي اكتب لي قبضاً بها (أي وصلاً) وخذها بعد جمعة فكرهت أن أكتب قبضاً بها فلا يحصل لي شيء فاستترت منه في منزل صديق لي, فلما بلغه استتاري خاف أن أشكوه إلى الواثق فبعث إلي بالمال وأخذ كتابي بالقبض, وابتعت بالمال ضيعة, وتعلقت بها وجعلتها معاشي.
[قمر جارية إبراهيم بن حجاج اللخمي صاحب إشبيلية]
كانت من أهل الفصاحة والبيان والمعرفة بصنعة الألحان وجلبت إليه من بغداد, وجمعت أدباً وظرفاً ورواية وحفظاً مع فهم بارع, وجمال رائع, وكانت تقول الشعر بفضل أدبها ولها في مولاها تمدحه:
ما في المغارب من كريم نرتجي ... إلا حليف الجود إبراهيم
إني حللت لديه منزل نعمة ... كل المنازل ما عداه ذميم
ومن قولها تشوقاً إلى بغداد:
آها على بغدادها وعراقها ... وظبائها والسحر في أحداقها
ومحالها عند الفرات بأوجه ... تبدو أهلتها على أطواقها
متبخترات في النعيم كأنما ... خلق الهوى العذري من أخلاقها